لا ندري لماذا يحلو للبعض أن يتمسّك بشعار «رئيس صُنع في لبنان»، وهم أدرى النّاس بأن الرؤساء اللبنانيين، هم صناعة خارجية بامتياز، اللهم إلا باستثناء الرئيس سليمان فرنجية!
لا ندري ما الفائدة من القفز فوق الخلافات المارونية – المارونية، وتجاهل تعقيدات العوامل الخارجية، الإقليمية والدولية، في الانتخابات الرئاسية!
ولا ندري إلى متى يستمر هذا العجز السياسي الفادح، على تجاوز مرشحي «الفيتوات المتبادلة»، وخاصة العماد ميشال عون وسمير جعجع، والبدء في البحث جدياً عن مرشّح يحظى أولاً بدعم مسيحي واسع، ويستقطب توافق بقية الأطراف السياسية حوله!
الواقع الذي يجب أن يعرفه كل لبناني، يُفيد بأنه ليس في الأفق القريب، ما يُشير إلى إجراء انتخاب رئيس جديد للجمهورية، قبل انقضاء المهلة الدستورية يوم الخامس والعشرين من أيار الجاري، إلا إذا حدثت «معجزة ما» في عصر ولّى فيه زمن المعجزات.
وبخلاف كل المواقف والتصريحات، التي تُطلقها الأطراف السياسية اللبنانية، حول ضرورة عقد جلسة الانتخاب، وإتمام العملية الدستورية في مواعيدها القانونية، فليس ثمة أية جهود حقيقية، تُبذل من هنا أو هناك، لتذليل العقبات التي تحول دون إنجاز الانتخابات الرئاسية قبل مغادرة الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا في الرابع والعشرين من الشهر الجاري!
* * *
ثمة قناعة بدأت ملامحها تظهر في بعض الأوساط المارونية، وأخذت خطوطها تتبلور يوماً بعد يوم، في دوائر القرار الخارجي، مفادها أن الانتخابات الرئاسية لا تستطيع أن تتجاوز القواعد التي قامت عليها الصيغة اللبنانية، وأساسها التسويات والتنازلات المتبادلة، وصولاً إلى اتفاقات توحي للبنانيين بتكريس مبدأ «لا غالب ولا مغلوب»، وإن كانت الوقائع لاحقاً تُعطي الغلبة لهذا الطرف أو ذاك، على النحو الذي حصل في اتفاق الدوحة، والذي تضمن بنوداً ملغومة، أدّت إلى تفجيره، عند أول منعطف خلافي بين الأطراف الإقليمية، التي رعت مؤتمر «المصالحة اللبنانية» في الدوحة في أيار 2008.
والأخذ بمفاهيم التسويات والتنازلات، يقتضي العودة إلى العمل على موجة «المرشح التوافقي» الذي يستطيع الحصول على أكبر عدد من أصوات النواب الناخبين، في إطار «صفقة إقليمية – دولية»، تعيد التوازن بين القوى الإقليمية المتصارعة، والتي أكلت نيران حروبها الأخضر واليابس من ثورات الربيع العربي، وتُحدّد للسياسيين اللبنانيين «الوصفة الرئاسية» المناسِبة، للمرحلة الراهنة، وذلك في إطار ما يسمى «إعادة ترتيب» أوضاع الإقليم!
كان من المتوقع أن تلعب بكركي، مدعومة بجهود الفاتيكان مع عواصم القرار الدولي، دوراً أكثر فاعلية، في إعادة تنظيم البيت الماروني، وإقناع القيادات المارونية بأهمية توحّد الطائفة حول مرشّح واحد للرئاسة الأولى، على غرار ما يحصل منذ فترة لدى الطائفتين السنّية والشيعية، بالنسبة للرئاستين الثالثة والثانية.
وكان من المنتظر أن تؤدي الاتصالات والاجتماعات المطوّلة، التي عقدها موفد الرئيس الفرنسي إلى لبنان، واستمرت أسابيع طويلة بعيدة عن الإعلام، إلى بلورة توافق مسيحي ما، حول شخص الرئيس العتيد، ولكن الجهود الفرنسية المضنية، ذهبت أدراج الخلافات المزمنة بين الزعامات المارونية!
* * *
وإزاء حرص الطرفين الإسلاميين (تيّار المستقبل وحزب الله) على ترك القرار المسيحي يأخذ مداه في اختيار المرشح المناسب لرئاسة الجمهورية، ثمة تخوّف من عدم تمكن القيادات المارونية، الدينية والسياسية، على التوافق على مرشّح معيّن، الأمر الذي سيؤدي إلى وقوع الفراغ في الرئاسة الأولى، وتكرار التجربة التي حصلت إثر انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، وقبل التوافق على انتخاب العماد ميشال سليمان «رئيساً توافقياً» بإجماع كل الأطراف السياسية، وبمواكبة رسمية عربية ودولية غير مسبوقة، من خلال حضور قادة ووزراء جلسة الانتخاب!
هل يُعيد التاريخ نفسه بالنسبة للفراغ.. وتعود القيادات المارونية إلى مراجعة حساباتها، وتُغلّب الخيار التوافقي على ما عداه، بعد 25 أيار؟
التاريخ قد يُعيد بعض التجارب أو المشاهد، ولكن بصيغ وألوان تتناسب مع الواقع الجديد..
ولكن من الصعوبة بمكان المراهنة على اتفاق الزعامات المارونية على مرشّح واحد لرئاسة الجمهورية!!