IMLebanon

الرئيس بري سيشهد في القاهرة ربيع الدولة.. وخريف الأنظمة..؟

حرصتُ على أن أزور القاهرة عشية الرابع من حزيران الجاري لما لهذا اليوم من آثار عميقة في حياتنا المعاصرة.. سياسياً وجغرافياً.. إذ صادف في ذلك المساء إعلان نتائج الإنتخابات الرئاسية المصرية.. حيث احتشدت الناس في الشّوارع والميادين.. يغنّون ويهتفون ويرفعون الأعلام المصرية ويرقصون على أنغام أغنية المطرب الإماراتي «بشرة خير».. وفي ذلك مفارقة كبيرة إذ أنّ العرب وعلى مدى عقود كانوا يرقصون على أنغام الأغنية المصرية..

اليوم التالي كان الخامس من حزيران 2014.. أيضاً بحثتُ عن ذلك اليوم في الصحف المصرية والمقالات وفي أحاديث النخب السياسية والإعلامية.. ولم أجد أي أثر لذلك اليوم المشؤوم.. فالخامس من حزيران هو اليوم الذي أصيبت به مصر بجراح عميقة.. وأحدث تداعيات كبيرة على مستوى مصر والوطن العربي بأسره.. إذ أصيبت الدولة العربية وبدأت رحلة الأنظمة المستبدة.. بالهيمنة على الدولة بإسم العجز والهزيمة في العديد من الأقطار العربية وخصوصاً تلك التي كانت تحمل راية تحرير فلسطين.. وأيضاً الخامس من حزيران 82 هو ذكرى الإجتياح الإسرائيلي للبنان واحتلال أول عاصمة عربية بيروت..

غداً سيذهب دولة الرئيس نبيه بري إلى مصر لحضور حفل تنصيب الرئيس المصري الجديد حيث سيتم تداول السلطة بين الرئيس المؤقت والرئيس المنتخب على أساس خارطة الطريق التي وضعها الشباب المصري لدولتهم الجديدة.. وسيحمل الرئيس بري معه إلى القاهرة حطام النظام الطائفي العاجز والذي يكاد يفقد ما تبقى من أسباب الدولة ووظائفها.. وسيجد هناك شعبا منتصرا لدولته ومعتزاّ بها..

سيُسَرّ الرئيس بري وهو يشاهد الدولة العربية القوية التي عرفها أيام الشباب عندما كان عضواً في إتحاد الطلاب العرب على ما أعتقد.. وهُزم وعيَه شأننا جميعاً يوم هُزمت تلك الدولة وأصيبت في عنفوانها وأحلامها بالوحدة والتحرير.. كما سيسعد لأنّ تلك الدولة العميقة قد شُفيت من جراحها العميقة التي أصيبت بها في نكسة 5 حزيران 67..

لن يجد الرئيس بري آثاراً لقيود إتفاقية السلام مع إسرائيل.. فجيشها يطارد الإرهاب على كامل أرض سيناء مؤكّداً سيادته على أرضه.. متجاوزاً الخطوط الحمراء التي رسمتها إتفاقيات السلام في المناطق (ألف وباء وجيم).. وسيجد الشباب المصري المتجاوز لجراح النكسة وقيود إتفاقيات السلام مع إسرائيل..

سيشعر الرئيس بري بالإرتياح لوجود ممثلي الدول المتصالحة مع هويتها العربية ومنظوماتها.. والساعية للتّصالح مع شعوبها.. ولن يجد بينها الأُسر الجمهورية المستبدة.. ولن يجد بين هؤلاء أيضاً الجماهيرية الليبية.. نظام الفوضى الشرعية.. وفوضى المؤسسات التي غيّبت قامة كبيرة بحجم الإمام المغيّب السيد موسى الصدر وقدره الكبير.. وسوف يشعر بالخوف الشديد على الجمهورية اللبنانية التي بدأت تتحول إلى جماهيرية لبنانية تُغيّب رؤسائها ومؤسّساتها وشعبها وإرادة أبنائها بالتقدم والإستقرار..

سيصافح الرئيس بري كبار الزوار العرب.. وسيلمس من جديد حبّ الأشقاء العرب للبنان.. كلّ لبنان.. وسيسعدون بحضوره ممثلاً لكلّ اللبنانيين.. وسيُقدِّر الرئيس بري كثيراً الرئيس سلام.. رجل الدولة الذي يذوب شخصه في الدولة يوماً بعد يوم حتى نكاد لا نراه.. والذي آثر عدم تلبية الدعوة للمناسبة عينها حرصاً على وحدة تمثيل لبنان وتأكيداً على هيبة الدولة والمؤسسات.. وبأنّ رئيس البرلمان يمثّل كلّ لبنان..

سيسرّ الرئيس بري بلقاء صديقه الرئيس عمرو موسى الذي قاد لجنة الخمسين التي وضعت دستوراً لتسعين مليون مصري بكلّ ثقلهم التاريخي والحضاري والروحي والثقافي والإنساني خلال ثلاثة شهور فقط.. وسيتذكّر الرئيس بري كيف أنّ السيد عمرو موسى لم يستطع خلال زياراته المكوكية إلى لبنان على مدى ثمانية عشر شهراً أن يجد حلاً لقضية الوزير الملك في لبنان..

سيتلمّس الرئيس بري بفطنته وخبرته الكبيرة تكوّن الثقافة الديمقراطية لدى الشعب المصري الذي ذهب إلى صناديق الإقتراع سبع مرات خلال ثلاث سنوات.. بثلاثة إستفتاءات وإنتخابات برلمانية.. وثلاث دورات لانتخابات رئاسية وفي أصعب الظروف.. بينما عجز لبنان عن إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها وإجتهد مؤخراً في صناعة الفراغ..

لن يجد الرئيس بري في القاهرة وجوداً لأميركا الــ 99% من أوراق الحل والربط.. ولا لتوجيهات الرئيس أوباما الذي قال قبل ثلاثة سنوات «الآن يعني الآن!».. فأطاع الرئيس المصري واستقال في الحال.. وسيلمس أيضاً كيف أنّ الشعب المصري قال «لا « لأميركا في 30 حزيران 2013.. وسيتأمّل الرئيس بري في الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي لساعات قليلة إلى لبنان والمستفيد من الإنقسام السياسي والطائفي في لبنان محاولاً وضع قواعد أميركية جديدة وهو في طريقه إلى شواطئ النورماندي حيث يلتقي في الثالث من حزيران قادة العالم بمناسبة الذكرى السّتين لنزول القوات الأميركية على شواطئ النورماندي حيث صُنع القرار الدولي 1559 على شواطئ النورماندي وفي نفس المناسبة قبل عشر سنوات..

سيطمئن قلب الرئيس بري على العائلة الوطنية المصرية حين يعلم بأنّ مصر قبل أيام إحتفلت بذكرى قدوم العائلة المقدّسة إلى مصر أي السيدة العذراء وطفلها عيسى عليهما السلام.. وسيفرح قلبه للقاء الإمام الأكبر شيخ الأزهر وبابا الأقباط يذوبان في الشخصية الوطنية المصرية.. روحياً وأخلاقياً وإنسانياً.. وسيتذوّق طعم الوسطية الحقيقية التي تجمع بين المكوّنات الوطنية وتحقّق الإنصهار وتمنع الغلبة والإستئثار.. وسيتألّم حين سيستذكر لبنان والوديان العميقة التي وقعت بين المسلمين والمسلمين.. والمسيحيين والمسيحيين.. والمسلمين والمسيحيين في لبنان..

سيعود الرئيس بري إلى لبنان لترؤس جلسات مجلس النواب في 9 و10 حزيران 2014.. وفي باله 9 و10 حزيران 67 يوما بكى كما بكينا وبكى معنا ملايين العرب وملايين المصريين.. رجالاً ونساءً.. من آلام الهزيمة وتنحي الزعيم.. وسيفرح كثيراً وهو العائد من القاهرة ليقود جلسات مجلس النواب في نفس التاريخ.. كيف أنّ تلك الأيام الحزينة إقتُلِعَت من الذاكرة والوجدان..

سيدرك الرئيس بري حجم الأثقال الملقاة على الحكم الجديد في مصر وكيف أنّ الجمهور متحفّز.. والنخب متربصة وحذرة وقلقة من هيمنة سلطة جديدة على دولتها العميقة التي حفظت وحدتها وتماسكها.. ورفضت هيمنة الأسرة الحاكمة على الدولة وتحويل الدولة إلى نظام.. لأنّ النزاعات الدامية كانت حيث أنظمة الأسر الجمهورية.. وأنّ التّحول الأقل دموية كان حيث وجود الدولة.. وكيف أنّ الدولة تحقن الدماء وتحتضن أحلام شبابها وطاقاتهم.. ليبدأ بهم ربيع الدولة وخريف الأنظمة..