شيء يقيد في العالم العربي تحت واحد من بابين: إما «مفاجأة» وإما «المفاجأة الكبرى». سقوط ما بقي من شمال العراق خارج إطار الدولة التي تنهار منذ ربع قرن، تم تسجيله في دفتر المفاجآت. والدفتر المحاذي هو «خطر التقسيم»؛ على أساس أن الوحدة الأهلية متماسكة مثل حجارة الأهرام، من البصرة إلى أربيل! والدفتر الثالث هو الفتنة، والقائمون على ردها يتفانون ويفنون في دفع بلاها ويرفعون رايات الحنان والتفاهم والائتلاف، ويمطرون الشعوب بالزهر والأرز وماء الورد.
رفض العالم أن يرى ما يراه كل يوم. ترك سوريا تحترق وتفرّغ، وترك العراق يتراشق بفقرات عموده الفقري، واختار الروس والأميركيون المواجهة في سوريا بدل الحل، وأغمضوا جفنا ناعسا على الثقل البشري الذي ينوء به الأردن ولبنان، وكانت أقصى وأسوأ أنواع الإهانات في كلام الخارجية الأميركية عن ضرورة «تعقل الفرقاء» في العراق.
كيف لنا أن نشكركم على هذه النصيحة الغالية؟ الحقيقة، كل الحقيقة، أن «داعش» كانت تنتظر انتهاء الناطق من تلاوة هذه الحكمة حتى تذهب وتعانق حكيم العراق، الرفيق نوري، موقع عقد الشراكة والحل مع باراك أوباما. ألحقت إدارة أوباما الإهانات اللفظية بالإعلان عن تحريك حاملة طائرات. إلى أين؟ وفِّروا الوقود!
من القوة التي تريد أميركا أن تخيفها بتحريك مجموعة بواخر من مكان إلى مكان؟ هل ستضرب الرقة؟ منذ متى تعرف واشنطن – وزعيم «دولة القانون» – بحقيقة تنظيم «داعش» وحجمه وبتعاطف عناصر شعبية معه ردا على المذلات اليومية من حكومة المالكي؟ وعندما استقبل أوباما نوري المالكي من أجل تلك الصورة الشهيرة في البيت الأبيض، ألم يتسلم قبلها تقريرا عن سيرة الرجل وطبعه ونواياه؟
تظاهر الجميع بالتفاجؤ، كأن «داعش» نبتت أمس في شمال العراق. الحقيقة أن الجميع كان مسرورا بها وبالصورة التي تعطيها عن المعارضة، إلى أن فلت الوحش من سيطرة مدربه. عندها، بدأت إعادة النظر وإعادة الحسابات. وتذكر باراك أوباما أن الغيلان المتوالدة في الشرق الأوسط لا تقر بقواعد اللعبة السياسية ولا تتوقف كثيرا عند مخترعات الأمس، كالفيتو والعلاقات المهترئة.
لن تكف «الوقائع الجديدة» عن التكاثر في أراضي الحروب. من «داعش» سوف تولد دواعش أخرى. وسوف يقرأ أوباما، بقامته المديدة ورابطة عنق جديدة، بيانا آخر في حديقة البيت الأبيض.