غاية المنى أن يُنتخب رئيس الجمهورية اللبنانية مباشرة من الشعب. على الأقل يصبح تداول السلطة في لبنان أمرا حتميا كل ست سنوات، أو وفق وتيرة زمنية أخرى معمول بها في العديد من الدول الديموقراطية. كما أن هذا الاجراء يجنب لبنان الشغور الرئاسي، وما يتبعه من تعطيل للمؤسسات بحجج غير دستورية مثلما هو حاصل اليوم.
ومن محاسن الانتخاب الرئاسي المباشر من الشعب، أنه يحرر رئاسة الجمهورية من عبء الارتهان لهذا الفريق السياسي أو ذاك، ويحوّل الرئيس فعلا الى رئيس للدولة بكل ما تحمله هذه المهمة من معنى، ويمنحه سلطة وقوة «الضرب على الطاولة» ساعة يشاء، وليس مجرد وسيط بين القوى السياسية المتصارعة.
وانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب يعالج الأزمة المزمنة في لبنان التي تنشأ كلما اقترب موعد انتهاء ولاية الرئيس. حصل ذلك في العام 1988 مع انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل، وقبل ذلك عام 1982 عندما انتخب بشير الجميل في ظل الحراب الاسرائيلية، وفي العام 1989 بعد اغتيال الرئيس رينه معوض بدفع من الوصاية السورية، ثم في العام 1998 عند انتخاب الرئيس أميل لحود الذي غادر قصر بعبدا شاغرا، وها هو لبنان اليوم يواجه المشكلة نفسها منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان. ومن المنطقي القول إن مبادرة «التيار الوطني الحر» في هذا المجال تضع حدا لهذا الترف السياسي في البلد.
كل ذلك صحيح ومنطقي في بلد اللامنطق.. ولكن انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب يتطلب:
أولا: تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية، فلا يظل شاهدا وشهيدا، لأن الصلاحيات التي محضها الطائف لرئيس الجمهورية، لا تستأهل أن تكون وكالته مباشرة من الشعب. فعندما يمنح الشعب وكالته للرئيس، يفترض أن يكون النظام رئاسيا كي يتحمل القائد مسؤولياته الكاملة أمام السلطات الأخرى. والنماذج على ذلك كثيرة، ولا يمكن أن يكون النظام برلمانيا ورئاسيا في الوقت نفسه.
ثانيا: ان الرئيس المعزز بالصلاحيات المطلوبة لا يجوز بأي شكل من الأشكال أن يكون قصرا على طائفة معينة. فطالما الشعب هو صاحب الكلمة والخيار، يفترض أن يكون الرئيس من الشعب وليس من الطائفة. وينبغي بالتالي أن ينسحب ذلك على الرئاسات الأخرى، فلا تظل حكرا على طوائف معينة، مع العلم ان الدستور لا ينص صراحة على ذلك.
ثالثا: اعتماد النظام الرئاسي بديلا للنظام البرلماني. وهذا الأمر يرتب تغييرات جذرية في بنية النظام وأسس الدستور المعتمد بموجب اتفاق الطائف، ما يتطلب من كل مكونات الوطن الجلوس على الطاولة من جديد والبحث الجدي في هذا الموضوع الشائك.
أمام ما تقدم، يبدو اقتراح «التيار الوطني الحر» جديرا بالبحث، لكنه يغدو بلا قيمة اذا ما ظلت الأعراف تحكم دستورنا الحالي، حيث الحصص موزعة على الطوائف المتناحرة عند كل مفرق زمني. ولعل الأجدى من كل ذلك أن يبدأ البحث الجدي في استكمال تنفيذ اتفاق الطائف، لجهة المادة 95 التي تنص على تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية. عندها فقط يمكن البحث في الانتقال الى النظام الرئاسي وفق جدول زمني يطمئن جميع الطوائف بأن رعاياها سوف يتحولون الى مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، لا فضل فيهم لعربي على أعجمي الا بالتقوى.
في الخلاصة، ولأن الطوائف في لبنان أكبر من الوطن، ولأن تعديل الدستور يتطلب شبه إجماع برلماني ليس متوفرا في الظروف الحالية، سوف يظل اقتراح التيار حبرا على ورق، الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.