IMLebanon

الرابطة المارونية تلعب في الوقت الضائع

عندما لبّت المؤسسات المارونية دعوة البطريرك بشارة الراعي للحضور على وجه السرعة الى بكركي قبل أسبوعين، لم يشاركها البطريرك كامل اجتماعها. خرج من القاعة في منتصف الاجتماع متذرعاً بجدول أعماله المكتظ. يومها، احتدّ النقاش، وخشي بعض الحاضرين أن يتحوّل إلى عراك بين مؤيد لقوى 14 آذار ومدافع عن قوى 8 آذار ومسوّق لطموحاته الرئاسية.

رغم ذلك، وجد الراعي في المجتمعين مؤهلات كافية للقيام بمبادرة رئاسية لدى القيادات المسيحية الأربع. يمكن الصورة وحدها أن تتكلم: ثلاثة مرشحين مفترضين الى رئاسة الجمهورية، رئيس المجلس الماروني العام وديع الخازن ورئيس الرابطة المارونية سمير أبي اللمع ورئيس المؤسسة المارونية للانتشار ميشال إده، في جولة مشتركة على الزعماء الموارنة، المرشحين الطبيعيين للرئاسة، عنوانها إيجاد حل للشغور الرئاسي! مهلاً، لم ينته الوفد بعد، إذ ضمّ كادر الصورة مرشحين آخرين أيضاً: نائب رئيس مؤسسة الانتشار نعمة افرام ورئيس «الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب» جوزيف طربيه و… سمير جعجع وأمين الجميل وميشال عون وسليمان فرنجية. لا حاجة هنا الى قراءة أو سماع البيانات التي يتلوها أبي اللمع في نهاية كل زيارة، يمكن تخيل مضمون الحديث أيضاً: رؤساء المؤسسات المارونية، بتكليف بطريركي، يحاولون إقناع رؤساء الأحزاب المارونية بالتخلي عن طموحاتهم لمصلحة وجوه أكثر قبولاً من كل الأطراف، أي هم بطبيعة الحال.

يقول أحد أعضاء الوفد في معرض تقييمه للاجتماعات ومقارنته بين جعجع والجميل وعون وفرنجية أن الأخير كان «الأكثر هدوءاً وصراحة وعفوية». قد يسهل فهم ما سبق، ففيما يصرّ عون على أحقيته في الفوز بالرئاسة ويلهث جعجع وراء أي فرصة لإحراقه ويناور الجميل على الاثنين معاً لإزاحتهما، يدرك فرنجية جيداً أن حظوظه غير ناضجة بعد. وعليه، يضيف المصدر، أخرج فرنجية نفسه من دائرة المرشحين لمصلحة تمسكه بالرئيس القوي. وسأل في معرض حديثه الى الوفد عن سبب ذعر المرجعيات السياسية كافة من الرئيس القوي وتفضيلها لشخصية وسطية تشبه «الكريما التي توضع فوق قالب الحلوى»: شكلها جميل لكنها مجرد ديكور. بالطبع أومأ وفد «الرؤساء الأقوياء» برؤوسهم موافقين. وكان رئيس تيار المردة صريحاً مع الوفد البطريركي حين أبلغه تخوفه من «طبخة برّانية يغطيها الراعي لانتخاب رئيس مماثل بموافقة قوى 14 آذار المسيحية».

بعكس زياراتهم الثلاث السابقة، بدا الموفدون مرتاحين للزيارة الأخيرة لقدرتهم على «الأخذ والرد مع فرنجية من دون قفازات واستقاء موقف واضح من الاستحقاق الرئاسي»، إذ لم يسمعوا من جعجع سوى «محاضرة عن الميثاقية والعيش المشترك»، بينما حوّل الجميل الجلسة الى مناسبة أخرى للتسويق لمبادرته الرئاسية الخاصة، علّ مبعوثي الراعي والراعي ينضمون اليه، فأهدافهم متشابهة. لذلك توسطهم وبدأ يتلو عليهم ما جاؤوا ليحدثوه به عن ضرورة التحرك من أجل منع الشغور والفراغ. إلا أن اللقاءين الأوّلين في كفة واللقاء الثالث بالنائب ميشال عون في كفة أخرى. هناك، كما يسربّ أعضاء الوفد، كانت الجلسة أشبه باجتماع قائد الجيش والعسكر. يجلس عون فيجلسون، يتنفس فيتنفسون، يشبك يديه على الطاولة (كما تظهر صورة اللقاء المتداولة في الإعلام) فيشبكون أياديهم بالشكل عينه. قد تكون المرة الوحيدة التي أذن فيها لأحدهم بالكلام، عند تلاوة سمير أبي اللمع للبيان في نهاية اللقاء. وهنا ينفي أحد الحاضرين كل التسريبات المختلقة عن هجوم الجنرال على النائب وليد جنبلاط وغيره، موضحاً أن كلامه كان محصوراً بالانتخابات الرئاسية وصلاحيات مجلس الوزراء. ورفض عون يومذاك اقتراح جعجع ـــ الذي نقله الوفد اليه ـــ أن يلتقيا للاتفاق على «مرشح تسوية»، مقارناً بين تاريخه وتاريخ رئيس حزب القوات اللبنانية. وأبلغهم أحقيته في الفوز بالرئاسة، «وإذا كان لدى البطريرك مرشح معين، فليعلنه لندعمه».

انتهت مهمة الوفد أمس بزيارته الأخيرة لبنشعي، على أن يزور بكركي في اليومين المقبلين لوضعها في أجواء جلساته والزعماء الأربعة. لا يكترث الموفدون كثيراً لخلوّ لقاءاتهم من أي مضمون سوى من الصورة المرفقة بجملتين تعدّدان أسماءهم. ويغتبط رئيس الرابطة المارونية سمير أبي اللمع طبعاً لتلاوته بيانات اللقاءات، على اعتبار أن الرابطة «أهم مؤسسة مارونية في لبنان». لم تكن المؤسسات المارونية لتفوّت عليها فرصة الفراغ الرئاسي والتشريعي كي تكتسب دوراً، ولو شكلياً، في الوقت الضائع. لا يمكن الرابطة المارونية أن تبرز إلا في أوقات مماثلة؛ ليس سمير أبي اللمع شاكر أبو سليمان (رئيس الرابطة لأكثر من 20 عاماً) الذي جعل من مؤسسته مظلة جامعة للموارنة من خارج نطاق الأحزاب ومقاتليها، ولا وساطاته المسيحية كوساطات أبو سليمان بالتعاون مع الآباتي بولس نعمان لوقف حربي التحرير والإلغاء مثلاً، أو فك حصار حزب القوات عن ثكنة أدما. يكفي رئيس الرابطة اليوم تكليف بكركي له بأي مهمة يغطيها الاعلام ليذكّر المسيحيين بوجوده. الى جانب الرئيس القويّ، جرت العادة ألا يكون أعضاء الرابطة إلا من نادي رؤساء الجمهورية السابقين كشارل الحلو وألفرد نقاش وكميل شمعون، الى جانب كل الوزراء والنواب السابقين، بخلاف أعضاء الرابطة الحاليين. يستحيل المقارنة هنا بين ما كانت عليه الرابطة المارونية ومهماتها السابقة وما آلت إليه، تماماً كما لا تصلح المقارنة بين حال البطريركية المارونية خلال السنوات الماضية وما آلت اليه مع البطريرك بشارة الراعي.