مع الاستراحة التي فرضتها التطورات الأمنية،مع انكشاف الهوية الكاملة لأمير داعش في لبنان، وعلى وقع الملفات الاقليمية الساخنة ،طفت الى السطح طروحات سياسية تحت عنوان كسر الفراغ. من عين التينة يشدد الرئيس بري على ضرورة اجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها، رافضا التمديد لمجلس النواب، فيما أطلق العماد ميشال عون مبادرة للخروج من المأزق السياسي، بشقيها التشريعي والرئاسي مشكلة مظلة الامن السياسي المطلوب في ظل الاوضاع الاقليمية والداخلية المأزومة، نافخا الروح في أرثوذكسي رئاسي هذه المرة.
فالعماد عون الذي يدرك جيدا تقول مصادرفي 14 آذار ان إبعاد عملية الانتخاب عن المساومات والصفقات المحلية والخارجية، وإعادتها «إلى الشعب مصدر السلطات»، امر يفرض وجود توازنات وتقاطعات دولية واقليمية تحتم تغييرا في قواعد النظام السياسي وتوازناته، ما يتطلب اكثر من هزات أمنية. بالتالي من المرجح عدم احداث المبادرة أي خرق في الحائط الرئاسي المسدود، بعدما قوبلت بالرفض من جانب قوى «14 آذار» التي اعتبرتها خطوة إعلامية لا أكثر ولا أقل، حيث بدا أن هدف الرابية من الطرح كسب الوقت والخروج من حال الإحراج السياسي والشعبي الذي بدأ يتمظهر بحال الضيق لدى البطريرك بشارة الراعي من تعطيل الانتخابات الرئاسية، وبالتالي انعكاس الشغور على السلطتين التنفيذية والتشريعية ما ينذر بشلل خطير يتهدد البلاد.
طرح ستثير المبادرة خلال الايام المقبلة جدلاً سياسياً واسعاً، محلياً وخارجياً تضيف المصادر محلياً لا يعتبر مثل هذا الطرح قابلا للحياة لاسباب سياسية ودستورية، اما خارجيا فالدول المعنية بالشأن اللبناني مازالت تقدم الاستحقاق الرئاسي على ما عداه، وهذا ما اكد عليه بوضوح السفير البريطاني توم فليتشر عندما تحدث عن تواصل اميركي ـ بريطاني ـ فرنسي ـ سعودي من اجل العمل على انهاء الشغور الرئاسي، لكن من دون تدخل في تسمية الرئيس.
واذا كان الصراع السياسي التقليدي بين فريقي 8 و14 آذار حتم شن الاخير حملة مواجهة ضد الرابية، تؤكد المصادر في 14 آذار أنّ طرح رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» يأتي عشية تلقيه جواباً نهائياً من الرئيس سعد الحريري لجهة رفض تبني ترشيحه، ما دفعه الى الهروب الى الامام في محاولة منه لتأمين المخرج لنفسه والانتقال من مرحلة المرشح الى الناخب، محاولا قلب الطاولة وتكبير الحجر الى الحد الاقصى لفرض نفسه لاعبا اساسيا في الاستحقاق تماما كما فعل خلال مرحلة ما قبل تشكيل الحكومة، مع تعاظم الضغوط الداخلية والخارجية عليه لحمله على عدم عرقلة الانتخابات، بعدما لمس عمليا ان لا حظوظ لوصوله الى بعبدا، معتبرة طرحه يخالف كل مقومات وأسس التركيبة اللبنانية والمفاهيم الدستورية وخلاصة التجربة اللبنانية ونظام الشراكة الوطنية، متوقعة تضرر العلاقة مع تيار المستقبل التي ستترافق مع حملة تصعيدية في الايام القليلة المقبلة لاحت بوادرها على شاشة التلفزيون البرتقالي.
غير ان اللافت، تمثل في صمت الحلفاء على حدّ قول المصادر في 14 آذار لاسيما حزب الله عن الطرح العوني المستجد، رغم وصف «المنار» الاقتراح «بالحقيقة التي لم تعجب الكثيرين ممن اعتادوا التأويل والتفسير على مقياس الرغبات او المزايدات، فيما جل الاستطلاعات تظهر تأييد اغلبية اللبنانيين لانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب»، ما طرح اكثر من علامة استفهام حول تنسيق الخطوة مع الحزب، فيما ابدت مصادر مقربة من رئيس مجلس النواب عدم حماسها للاقتراح انطلاقا من تمسك بري باتفاق الطائف، الامر الذي اعيد تأكيده خلال جلسة هيئة الحوار الاخيرة.
وبانتظار اكتمال صورة الردود وخلط الاوراق المنتظرة، يطلق العماد عون حملة تسويقية لمشروعه، تبدأ بزيارات لوفود نيابية من تكتل الاصلاح والتغيير على القوى السياسية كافة من اجل اقناعها بالمبادرة وشرح ابعادها ومدى خطورة الاستمرار في حالة اللاتوازن السائدة، استنادا الى آلية معينة يتم وضعها للغاية. وتؤكد مصادر «التيار الوطني الحر» أنّها كانت تتوقع تماماً رفض 14 آذار، معتبرة انه حان الوقت لاحراج هذه القوى ووضعها في الزاوية عسى أن يحاسب اللبنانيون من لا يريدون أن تكون لهم الكلمة الأخيرة في الاستحقاقات المصيرية ويسعون لرهن قرارهم للخارج.
بمبادرته قطع العماد عون الطريق على التمديد لمجلس النواب وعلى الحالمين بتكرار التجربة، على ما يعتقد، معيدا تموضعه سياسيا ورئاسيا، بما يتناغم مع طبيعة الازمة العميقة التي تضرب المنطقة، راسما قواعد الاشتباك والحوار بطريقة فعالة، مؤكدا موقعه الالزامي على الصعيد الرئاسي عندما اعتبر حقه بتمثيل المسيحيين مسألة خارج المساومة او النزاع. فاقتراحه اجراء الانتخاب الرئاسي انطلاقا من القواعد الشعبية، انما هو جريء لم يشهد لبنان مثيلا له، خصوصا وانه يعتمد على المزاج الشعبي ببعديه المسيحي والوطني، اقله بحسب قناعاته.