يسابق العد العكسي للمهلة الدستورية من أجل انتخاب رئيس للبنان مع ما أخذ يتركه من تفاعلات ومخاوف منذ الآن، استحقاق الملف الاجتماعي وسلسلة الرتب والرواتب الذي يشمل بدءاً من غد تصعيداً من هيئة التنسيق النقابية بالتظاهر والاعتصام، إضافة الى الإضراب العام المستمر منذ الأربعاء الماضي، بالتزامن مع انعقاد البرلمان للبت في السلسلة بصيغتها الجديدة المخفضة ومن دون مفعول رجعي كما أقرتها لجنة نيابية فرعية.
وأدى تصاعد المخاوف من الشغور الرئاسي بعد 25 أيار (مايو) الجاري الى تحرك على صعيدين، الأول دولي تمثل بدعوة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي، بالنيابة عن دول المجموعة الدولية لدعم لبنان، الى تجنب الشغور في الرئاسة، مشدداً على اتمام الاستحقاق الرئاسي كعملية لبنانية بحتة خالية من التدخل الخارجي، في الموعد المحدد وعلى أساس الممارسات الدستورية وعلى أن لا علم لدينا بأي عقبة خارجية تعرقل حصول الانتخابات الرئاسية.
وأطلق السفير الفرنسي في لبنان باتريس باولي موقفاً خلال زيارة قام بها الى مدينة طرابلس للتأكيد على استمرار المؤسسات الفرنسية فيها، قال فيه: «ندعو كل المسؤولين السياسيين والأحزاب الى القيام بدورهم من خلال المشاركة في جلسات التصويت لانتخاب رئيس للجمهورية، ونأمل أن يكون للبنان رئيس ضمن إطار الدستور والمهل الدستورية، ونحن لا نتدخل في الشؤون اللبناني الداخلية، لكننا مع المؤسسات والحكومة الحالية حصلت على الثقة لإنعاش الحياة في البلد عبر الخطة الأمنية وانتخاب الرئيس».
واكتسبت زيارة باولي الى طرابلس أهمية خاصة لجهة عودة الحياة الطبيعية الى المدينة. وامتدح الخطة الأمنية التي تنفذ فيها، وأبدى استعداد بلاده لدعم المشاريع التي تخص الإنماء فيها، وتمويل بلاده لها كتأكيد على ثقة فرنسا بالحكومة القائمة. وقال: «نأمل أن يختار اللبنانيون رئيسهم من دون أي تدخل خارجي».
أما التحرك الثاني فتجلى في اللقاءات المسيحية – المسيحية، والتي تخللها اقتراح قدمه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي لبعض زواره، ومنهم رئيس حزب «الكتائب» رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل، يقضي بتعليق المادة 62 من الدستور التي توكل صلاحيات الرئاسة في حال خلو سدتها لأي سبب كان الى مجلس الوزراء، على أن يضاف الى تلك المادة عبارة تنص على أن يستمر رئيس الجمهورية في ممارسة صلاحياته في حال لم ينتخب رئيس، الى أن يتم انتخاب الرئيس البديل.
وفيما قال بعض المصادر السياسية إن الاقتراح يوجب اتباع آلية تعديل الدستور لتحقيقه، ما يعني الحصول على أكثرية ثلثي أعضاء البرلمان، أي 86 صوتاً من أصل 128، فإن حيثية تقديم هذا الاقتراح من البعض والذي لقي قبولاً من البطريرك الراعي، هي أن شغور الموقع المسيحي والماروني الأول في الدولة يتطلب إيجاد آلية تشابه تلك التي تبقي على رئيس مجلس الوزراء في منصبه لتصريف الأعمال الى حين تسمية غيره وتأليف الحكومة الجديدة، وعلى رئيس البرلمان في منصبه على رأس السلطة التشريعية عن طريق التمديد للمجلس النيابي مدة ولايته مثلما حصل في التمديد الأخير قبل زهاء سنة، فاستمر الرئيس نبيه بري في منصبه على رغم انتهاء ولاية المجلس في حزيران (يونيو) من العام الماضي.
وقالت مصادر سياسية لـ «الحياة» إن الراعي طرح الأمر على الرئيس الجميل، الذي قال رداً على سؤال في تصريحه: «يهمنا منع الفراغ في سدة الرئاسة. وغبطة البطريرك يحمل هذا التوجه، لإيجاد أي حل ولتحميل موقع الرئاسة مسؤوليته في هذه المرحلة ونتعاون مع بعض المسؤولين كي نؤمن الاستمرارية لتجنب الفراغ». وأشار الى أن «غياب المكوّن المسيحي عن دوره له محاذير على الشراكة الوطنية». وأوضحت المصادر لـ «الحياة» أن الجميل لم يمانع اقتراح الراعي، الذي عاد فطرح الأمر على مدير مكتب زعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري» نادر الحريري حين زاره ظهراً. ونقل الحريري الى الراعي رسالة تؤكد وقوف زعيم «المستقبل» ضد الفراغ في الرئاسة الأولى وتشديده على ضرورة انتخاب الرئيس الجديد في موعده الدستوري وأنه لم يكن مرة عقبة في وجه انتخابه، والدليل على ذلك التزام جميع النواب الأعضاء في كتلة «المستقبل» حضور كل جلسات الانتخاب التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي بما فيها تلك التي تعطلت لعدم توافر النصاب القانوني لانعقادها.
وعلمت «الحياة» أن نادر الحريري أبلغ الراعي، رداً على اقتراحه التوافق على استمرار سليمان في ممارسة صلاحياته الى حين انتخاب رئيس جديد، أن العقدة ليست عند فريقه في هذا المجال وأن هذا الأمر يحتاج الى توافق سياسي، وموقف الفريق الآخر، لا سيما «حزب الله» من التمديد للرئيس سليمان سلبي كما هو معروف وهو يعطّل نصاب الثلثين المطلوب لانعقاد المجلس النيابي من أجل انتخاب الرئيس وتحقيق هذا الاقتراح يعني تعديل الدستور الذي يحتاج بدوره الى نصاب الثلثين.
وفيما قالت مصادر نيابية إن بعضاً من محيط سليمان طرح الاقتراح وإن الراعي استشار بعض القيادات به ويستمزج البعض الآخر فيه معدلاً، فإن زوار سليمان نقلوا عنه قوله أمس، إنه نصح البطريرك الراعي بعدم طرح الاقتراح، «وعلى كل حال أنا سأغادر القصر الرئاسي في 24 الجاري وسأذهب الى بيتي».
من جهة ثانية، أثار الرئيس بري أمس في لقائه مع السفير بلامبلي مسألة الخرق الإسرائيلي للحدود في منطقة اللبونة قبل يومين وتعدياتها على الحدود. وطلب الرئيس سليمان من وزير الخارجية جبران باسيل تقديم شكوى الى مجلس الأمن لانتهاك إسرائيل القرار الدولي 1701. وكان حصل خرق إسرائيلي آخر بحراً من زوارق حربية أمس أيضاً.