IMLebanon

«الستين» بتحالفات جديدة.. أو تمديد؟

عون متخوّف من خسارة مزدوجة

«الستين» بتحالفات جديدة.. أو تمديد؟

فقط حالة واحدة، لا غير، ستسمح لميشال عون أن يمضغ التمديد لمجلس النواب ويهضمه بسلاسة، من دون التعرّض لنوبات من التشنّج السياسي التي قد تستدعي دخوله منطقة «الطوارئ»: انتخابه، قبل آب، رئيسا للجمهورية، أو انتخاب من يمنحه التغطية لتعبئة محلّه على كرسيّ بعبدا.

فالتوافق، المفقود حتى الساعة، الذي يمكن أن يحمل الجنرال، صاحب أكبر تمثيل مسيحي، الى قصر بعبدا، يمكنه وحده أن يُشرعن مرحلة ما بعد الرئاسة. عندها فإن ترف انتخاب الرئيس قد يكون كافيا لجعل التمديد أبغض الحلال. تهدأ النفوس المشحونة ويبدأ الحديث على البارد في هوية قانون الانتخاب الجديد.

عمليا، المدّة القصيرة الفاصلة عن نهاية ولاية مجلس النواب الممدّد له حتى 20 تشرين الثاني المقبل، لن تسمح على الأرجح بإقرار قانون الانتخابات والشروع في إجراء الاستحقاق على ابواب الشتاء، وحتى لو بقانون الستين، عندها يصبح التمديد «ضروريا وشرعيا وموقتا».

هذا المشهد يقوم على فرضية انتخاب ميشال عون رئيسا. لكن وقائع الأرض حتى الساعة تجعل من «المتوقّع» بعيدا عن هذه الفرضية. أما في حال عدم انتخاب رئيس، فالعارفون يجزمون «ما منع حصول انتخابات رئاسية، سيمنع حصول انتخابات نيابية».

بعد تاريخ 25 أيار تغيّرت الأولويات لدى مفاتيح اللعبة. صار عون يهجس بالنيابة لا الرئاسة، محكوما بقرب نهاية ولاية التمديد، وعلى قاعدة أن مجلس النواب الجديد ينتخب الرئيس.

«الثنائي الشيعي»، كما وليد جنبلاط وتيار «المستقبل»، براغماتيون كفاية ليتصرّفوا على أساس ان التمديد حتميّ لمجلس النواب الحالي، رافعين من خلفه شعار «الرئاسة أولا». قصدهم، الرئاسة الضائعة في غرف القرار الاقليمي والدولي.

المعلومات تفيد أنه بعد سقوط مشروع التمديد للرئيس ميشال سليمان، الذي شكّل في الاشهر الاخيرة الفاصلة عن نهاية الولاية الرئاسية محور الحركة السياسية، فإن أي حديث عن توافق في ملف الانتخابات الرئاسية لن يكون مقرونا الا بالتوافق على قانون الانتخاب وتاريخ إجراء الاستحقاق وحكومة ما بعد الانتخابات. لكن متى وكيف؟ وفي ظل أي جو إقليمي؟ وبرعاية مَن؟ لا أحد يملك الجواب.

أما حزورة البيضة قبل أو الدجاجة (انتخابات رئاسية تسبق الانتخابات النيابية أو بالعكس)، فهذا أمر لا يزال في علم الغيب.

أمر آخر بالغ الاهمية، الانتخابات النيابية المقبلة، حين تحصل، ستضع حدّا فاصلا عن مرحلة ما بعد الـ 2005. العارفون يتحدّثون عن نوعية جديدة من التحالفات، تكسر الاصطفافات التقليدية وتؤسّس لمجلس نواب جديد بأكثرية وأقلية تلغي توازنات الرعب التي كانت سائدة.

ولهذا الكلام ما يمهّد له. لا يقف الأمر عند حدود الضجة المثارة بشأن ما يمكن أن يفرزه التقارب المنظّم بين «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل»، ولا الصداقة التي بنيت على عجل بين الوزير جبران باسيل ونادر الحريري، ولا تبرئة «الشيخ سعد» من ارتكابات «الحريرية المالية والاقتصادية»، وهي أمور يفترض أن تأخذ أحجامها في صناديق الاقتراع.

لكن ثمّة ظواهر تشي بأن ما بعد الفراغ ليس كما قبله.

لا أحد يتحدّث هنا عن فكّ التحالف بين الرابية والضاحية، لكن الاسئلة حول العلاقة بين نبيه بري وميشال عون ستكون مشروعة. مسار من التوترات بدأ ولم ينته بعد.

آخر تجلّياته إصرار عون على التغيّب عن جلسات مجلس النواب لانتخاب الرئيس، وجرّ حليفه «حزب الله» الى ملعب المقاطعة، ثم التعاطي تشريعيا مع المجلس، بعد الشغور الرئاسي، كمن يختار أصنافا محدّدة من لائحة الطعام.

تصرّف ازعج الرئيس نبيه بري الى الحدّ الذي دفعه، على لسان معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل، الى التلويح بورقة عدم شرعية استمرار جلسات الحكومة في ظل غياب «الرقيب». لكن مَن يعطّل مَن طالما أن ميشال عون نفسه يهدّد أصلا بتعطيل عمل الحكومة، اذا لم يتأقلم الرئيس تمام سلام مع دفتر شروط الرابية في إدارة الدفّة الوزارية بعد 25 أيار؟!

هنا أيضا يرى بري أن رئيس الحكومة قام بالواجب وأكثر في «إطلاع» الوزراء على جدول الأعمال، وليس مطلوبا منه أكثر من ذلك.

صحيح ان «حزب الله» يقف الى جانب بري في رفض تعطيل مجلس النواب ردّا على الشغور الرئاسي، لكن التمايزات مع «حليف الحليف» أكبر بكثير وقد تصل الى حدّ رسم خطوط جديدة في المرحلة المقبلة. يكفي تشكيك محيط الرئيس بري بشعار «عون حالة توافقية قادرة على الجمع».

في المقلب الآخر تقاطعات سياسية لكتل كبرى على تحجيم «بيضة» وليد جنبلاط، ورغبة الرئيس الحريري، كما تقول معلومات، باستبدال الوجوه المتشدّدة في فريقه النيابي بأخرى أكثر اعتدالا، وباستعادة مقاعد «مسروقة» في طرابلس وفي زحلة (نقولا فتوش).

ويمكن منذ الآن توقع ماذا يعني تقاربا عونيا مستقبليا في السياسة، وكسر المحرّمات مع «حزب الله»، على بقع انتخابية كبيروت، وزحلة، والجبل، وعكار…

لكن هذا شيء، والتمديد الزاحف الى ساحة النجمة شيء آخر. صحيح أن مجرد إعادة فتح ملف الانتخابات النيابية من باب تقديمها، كأولوية على الملف الرئاسي، أنعش همّة العديد من المرشّحين من باب تزييت ماكينة حضورهم على الأرض، لكن يبدو أنه حتى قبول القوى السياسية بإعادة الروح الى قانون الستين، قد لا يسمح بإجراء الانتخابات قبل تشرين الثاني المقبل.

ثمّة من يردّد في هذا السياق، أن الرئيس سعد الحريري غير القادر، انطلاقا من عدم قدرة السعودية، على منح عون ضوءاً أخضر رئاسيا، فكيف سيمنحه قانوناً انتخابياً يعيد تكوين السلطة بما تشتهي سفن «الجنرال»؟

وحاليا بدأت التمتمات حول ما يمكن أن يجنيه «الستين» على ضوء التغييرات الحاصلة بعد خلط الأوراق السياسية. استطلاعات الرأي، من جانب مرجعيات سياسية وحزبية، بدأت تغزو مجددا الأوساط الشعبية لجسّ النبض.

لكن ميشال عون المستعد لأن يمشي مجددا بالستين، في حال الفشل قبل 20 آب في انتخاب رئيس، ومن ثم الفشل في إقرار قانون انتخابي جديد، يتخوّف في سرّه من تواطؤ الجميع على التمديد، فتكون الخسارة مزدوجة رئاسية ونيابية.