يأخذ المشهد الراهن في لبنان بعدا مجازيا مثيرا، إلى درجة دفعت أحد الظرفاء إلى القول إن الصيف والشتاء في هذا البلد وجهان لعملة واحدة. ذلك أنه لا شيء الآن يوازي اليأس الذي يضرب في صدور اللبنانيين نتيجة انسداد الأفق في مسألة الاستحقاق الرئاسي، إلا الأمل الذي يتسع في قلوبهم نتيجة انفتاح الأجواء أمام عودة السعوديين والخليجيين إلى بلاد الأرز، وهو ما يرفع التوقعات بصيف واعد بعد انقطاع مضر ومؤلم في العامين الماضيين.
تتقافز المشاعر اللبنانية بين شتاء الاستحقاق الرئاسي وصيف الموسم السياحي، لكن على امتداد هذين الأمرين بدت عودة السفير السعودي علي عواض عسيري إلى بيروت، بعد غياب سببه تردي الوضع الأمني في البلاد والانفجارات التي شهدتها العاصمة وبعض المناطق، وكأنها تحليق السنونوة الأولى التي تبشر بالربيع، ليس لأن اللبنانيين يرون في العسيري مهندس علاقات حميمية وصانع دبلوماسية انفتاح وحبور فحسب، بل لأن للبنان مكانة حميمة عند السعوديين والخليجيين، دفعت البعض في بيروت إلى تكرار القول حسرة في أعوام القحط الأخيرة: آه لو أننا نحب وطننا كما يحبه الخليجيون!
فور عودته حرص عسيري بتوجيه من القيادة السعودية على ما نسميه في لبنان «جولة أم العروس»، بمعنى أنه قام بسلسلة من الزيارات المتلاحقة للمسؤولين السياسيين والروحيين، مركزا على أمرين يتصلان بوجهي «العملة» اللبنانية الواحدة الموضوعة في التداول العام الآن.
أولا – في مسألة الاستحقاق الرئاسي التي يحاول البعض تكرار زج اسم السعودية فيها، حرص على تأكيد دعم المملكة وبامتياز للتوافق اللبناني اللبناني على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو ما أكده رئيس الحكومة تمام سلام بعد محادثاته في الرياض أول من أمس.
من بكركي وبعد محادثاته مع البطريرك الماروني بشارة الراعي، تعمد عسيري التركيز على أنه «ليس من المفيد وليس من المعقول ولا من المقبول أن تتدخل المملكة أو أي دولة أخرى في الشؤون اللبنانية، وأن انتخاب الرئيس يؤمن الاستقرار والرفاهية للبنان، وهو يقع على عاتق المسيحيين في الدرجة الأولى ومسؤولياتهم الكبيرة تجاه بلدهم».
ومع تأكيده أن هناك شركاء للمسيحيين في لبنان مع أن الموقع الرئاسي يخص الطائفة المسيحية في الدرجة الأولى، رأى أن «التوافق المسيحي المسيحي اللبناني اللبناني، بالشراكة مع كل القوى السياسية يجب أن ينجز الاستحقاق، والسعودية حريصة على تأكيد مباركتها أي توافق بين اللبنانيين».
ثانيا – أما في مسألة الصيف الواعد وعودة الخليجيين إلى زيارة لبنان، فيكاد المرء يسمع بالأذن المجردة همسا متصاعدا في الأوساط السياحية والاقتصادية والسياسية أيضا: السعوديون قادمون.. الخليجيون قادمون.. أبشروا»، وفي هذا السياق ليس مبالغة القول إن عسيري، تعمد قبل أن يذهب إلى زيارة ثنائية لوزيري الداخلية نهاد مشنوق والسياحة ميشال فرعون مجتمعين، الإيحاء بصيف واعد على خلفية عودة الخليجيين، لكن وزير السياحة أعلن بعد الزيارة أن لا حظر مفروضا على أي من الخليجيين للمجيء إلى لبنان، في حين أوضح عسيري في وقت لاحق، أن المملكة لم تضع حظرا على زيارة رعاياها إلى لبنان، لكنها وجهت تحذيرات ربطا بالأوضاع الأمنية التي كانت سائدة.
وزيرا الداخلية والسياحة أكدا لعسيري أن الأمن أصبح مستقرا والجميع لمسوا جدية الحكومة في هذا المجال، وخصوصا بعد تنفيذ الخطط الأمنية في طرابلس والبقاع وأن الحكومة مستمرة في إعادة ضبط الأوضاع الأمنية، بالإضافة إلى حرص السلطات اللبنانية على سلامة المواطنين السعوديين والخليجيين أثناء وجودهم في لبنان، وأن الإجراءات الأمنية التي تتخذها الحكومة ممثلة في وزارة الداخلية وكل الأجهزة العسكرية بدأت تعطي انعكاسات إيجابية على الأرض.
في حديثه إلى صحيفة «النهار» أول من أمس، حرص عسيري على التأكيد أن الظروف التي دعت الرياض إلى اتخاذ قرار ببقائه في المملكة خلال الفترة الماضية كانت محض أمنية، وجاءت على أثر تصاعد وتيرة أعمال التفجير والشحن الإعلامي والنفسي، ولكن الآن وبعد اتخاذ السلطات اللبنانية إجراءات أمنية، وبعد تأكيدات كبار المسؤولين اللبنانيين له أن الوضع الأمني تحسن، عاد إلى لبنان لمتابعة ممارسة عمله.
وفي هذا السياق تحديدا، حرص على تكرار القول إن عودته لا علاقة لها من قريب أو بعيد بمسألة الاستحقاق الرئاسي كما يحاول البعض أن يوحي، وأن انتخاب رئيس جديد هو شأن لبناني بحت، وتوقيت عودته إلى بيروت مرتبط حصرا بتحسن الأوضاع الأمنية التي كانت قد تردت في السابق، وأدت إلى تعرض بعض المواطنين الخليجيين إلى المضايقات والاعتداءات، وأنه يأمل في أن تواصل السلطات تنفيذ التدابير الأمنية ليعبر لبنان إلى مرحلة الأمان.. والسعوديون قادمون!