IMLebanon

“السفير” تنشر تقريراً أوروبياً حول مواجهة “الجهاديين”(3):

“السفير” تنشر تقريراً أوروبياً حول مواجهة “الجهاديين”(3):

سجن جديد في لبنان.. و”فوج ثالث” عسكري لضبط الحدود

“الجهاديون” الغربيون يهددون لبنان ويتسببون بزعزعة استقرار “متزايدة” لأمنه. صناع القرار الأمني في بيروت قرروا أن الوقوف وانتظار الأسوأ ليس حلا. ضمن مسارات تحركهم، طلبوا مساعدة دولية بشأن قضايا أمنية حساسة عدة. تقديم الدعم والتمويل أوصى به مكتب مكافحة الإرهاب الأوروبي، بتأييد من الخارجية الأوروبية والمفوضية الأوروبية.

هذه الخلاصة التي خرج بها تقرير أوروبي داخلي، حصلت “السفير” عليه، وأعده المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دو كيرشوف بالتشاور مع جهاز الخارجية الأوروبية. التقرير يقع في 14 صفحة. تم حظر نشره، وسلّم في شهر حزيران الماضي إلى وزراء الداخلية الأوروبيين. ننشر هنا الحلقة الثالثة منه، وتركز على العمل العابر للحدود لتطويق ظاهرة “الجهاديين”.

المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب عقد العديد من الاجتماعات الحساسة، التي سمحت له بتلقيم تقريره بتلك المعطيات الحساسة. التقى دو كيرشوف كبار القادة الأمنيين اللبنانيين خلال زيارة قام بها إلى بيروت قبل أشهر. اجتمع أيضا مع ضباط من الأجهزة الأمنية، في إطار اللقاء مع دول البحر الأبيض المتوسط المعنية، ونقل الضباط الهواجس التي حمّلهم بها قادتهم بشأن تهديد “الجهاديين” وإمكانيات التعاون لمواجهته.

خبراء مكافحة الإرهاب قيّموا بشكل إيجابي الاجتماعات مع المسؤولين اللبنانيين، وأكدوا في تقريرهم أن السلطات اللبنانية “حريصة بشأن استكشاف إمكانية التعاون مع الاتحاد الأوروبي في مجالات عدة”. القضية الأولى على قائمة الأولويات الأمنية اللبنانية، كما قال التقرير، هي الحصول على المساعدة الأوروبية لإنشاء سجن جديد محصّن أمنيا لحل مشكلة عويصة. يقول التقرير إن لبنان يريد دعما من أجل “نقل السجناء الإسلاميين المتشددين من سجن رومية إلى سجن يخضع لإجراءات أمنية مشددة”.

مسؤول ديبلوماسي رفيع المستوى، مطلع بشكل واسع على هذه المحادثات، قال لـ”السفير” إن القضية حساسة أمنيا بالفعل، وإنّ هناك تداولا مستمرا بشأنها. وأوضح أن “سجن رومية أحد بؤر التوتر الأمني. محاكمة السجناء هناك تأخرت، وعدد المساجين كبير”، لافتا إلى أن “إخراج السجن من صلاحيات وزارة الداخلية إلى وزارة العدل، ليعاد تأهيله، مسألة متضمنة في إطار خطة العمل بين الاتحاد الأوروبي ولبنان”.

من الأولويات أيضا طلب لبنان مساعدة جيشه، كي يتمكن من منع تسرّب “الجهاديين” عبر حدود مكشوفة. يقول التقرير إن المسؤولين اللبنانيين طلبوا دعما من أجل “إنشاء فوج ثالث (في الجيش اللبناني) للمراقبة الحدودية، لحماية المناطق الحدودية في المناطق الجنوبية المتقدمة، وعبر نقاط العبور النظامية بين لبنان وسوريا”.

ويوضح المسؤول الديبلوماسي أن الهدف من إنشاء “الفوج الثالث” هو “تأمين تغطية لمنطقة البقاع الأوسط. هناك خلل أكيد في تلك المنطقة، ومن الضروري ضبط الوضع الأمني هناك” خصوصا في مناطق القلمون وعرسال.

يلفت المسؤول إلى أن المراقبة الحدودية في لبنان تتلقى دعما من دول أوروبية، خصوصا بريطانيا، بهدف إنشاء أبراج مراقبة في المنطقة الحدودية، وفي مراكز المراقبة، وأن هناك عملا جاريا “لتجهيزها بمعدات الرقابة الالكترونية”.

إحدى القضايا المهمة التي ركز عليها المسؤولون الأمنيون اللبنانيون هي طلب المساعدة الأوروبية في إنشاء إستراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب، تأخذ بالاعتبار المستجدات الأمنية التي فرضها الصراع السوري.

يؤكد التقرير ذلك، لافتاً إلى أن السلطات اللبنانية تريد دعما في “وضع إستراتيجية وقانون وطنيين لمكافحة الإرهاب”، وبالتوازي مع ذلك إيجاد برامج “لتدريب القضاة والنيابة العامة، إما مباشرة أو عبر المعهد الأوروبي للعدالة وسيادة القانون”.

المسؤول الديبلوماسي، المطلع على القضية، قال إنّ الأمنيين اللبنانيين طرحوها لأن “لدى لبنان قانونا قديما لمكافحة الإرهاب، ولم يتم تحديثه ليتناسب والتحديات الأخيرة” التي برزت جراء الصراع في سوريا. بناء هذه الإستراتيجية يستلزم أولا “التأسيس لها عبر بنية قانونية وتشريعية لمكافحة الإرهاب”، كخطوة أولى. أما التعاون على أرض الواقع فهو “قائم سلفا بين الأجهزة الأوروبية واللبنانية” لرصد “الجهاديين” وتتبعهم.

هذه العلاقة بين الطرفين أنضجتها اللقاءات والاجتماعات المتكررة، الرسمية وغير المعلنة. هناك اجتماع جديد لمواجهة “الجهاديين” ينظمه المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب، سيحضره للمرة الثانية ممثلون عن الاتحاد الأوروبي ودول المتوسط. عرضت المغرب استضافته في الرباط، ثم تأجل من شهر حزيران إلى شهر تموز الحالي.

لكن، هل هناك استعداد فعلي لتقديم دعم سريع وملموس يلبي المطالب اللبنانية؟ الجواب بحسب تقييم الأوروبيين هو “نعم”، خصوصا أن ذلك بات يشكل مصلحة مباشرة لهم ضمن إستراتيجيتهم لمواجهة “الجهاديين”.

يقول التقرير إن الاجتماعات العديدة مع المسؤولين في دول الجوار السوري أنتجت قائمة أولويات “يجب ترجمتها إلى برامج عمل مشترك”، ومن بينها أولويات لبنان. يستحث التقرير الدول الأوروبية، مؤكدا أنّ هذه المشاريع “يجب دعمها بأسرع ما يمكن، وإقامتها ممكنة عبر مصادر تمويل عديدة” متوفرة سلفا.

في استعراضهم لوضع دول الجوار السوري يؤكد خبراء مكافحة الإرهاب على أولوية لبنان لأنّ “استقراره يتزعزع بشكل متزايد بسبب الصراع السوري وظاهرة المقاتلين الأجانب”.

العقدة المستمرة في قضية “الجهاديين” هي تركيا، لكونها تبقى بوابة العبور الرئيسية للآلاف منهم. صحيح أن ضبط حدود طويلة مع سوريا، تقارب 900 كيلومتر هي تحد فعلي، كما برر المسؤولون الأتراك مرارا، لكن لا يخفى على المعنيين بالقضية أن المسألة مرتبطة بالمصالح وبالإرادة السياسية. هذا الدرس يمكن استخلاصه من حالات مماثلة، ظهر فيها لاحقا أن قيام الدولة بمراقبة فعالة، أو بالتغاضي، يعتمد على أولويات سياسية. أحد الأمثلة البارزة الانتقادات التي وجهها مسؤولون عراقيون قبل سنوات للسلطات السورية بشأن مراقبتها للحدود المشتركة، وتسرب “الجهاديين” عبرها.

لذلك يحاول الأوروبيون تقليل الغموض بشأن هذه العقدة التركية إلى أقصى حد، بما أنه لا يمكن إزالة الغموض تماما. وفق ما يورده تقرير الخبراء الأوروبيين، تم توجيه طلبات عدة إلى تركيا. أبرزها “إنشاء بوابة تشغيلية واحدة، تعمل كنقطة اتصال لملاحقة قضايا المقاتلين الأجانب”، وهو ما ردت عليه الداخلية التركية “بشكل إيجابي” مبدئيا.

هناك عمل مشترك وقائم، وهو متعلق بـ”أمن الطيران”. لكن في المقابل، يطلب الأوروبيون “إيجاد تعاون أكثر فعالية بشأن بيانات متقدمة عن المسافرين”، مقترحين إنشاء “وحدة معلومات” مشتركة لحسم هذه المسألة. هذه المطالب تأتي برغم تأكيد الأتراك أنّ لديهم قوائم بأكثر من خمسة آلاف اسم، لمواطنين أوروبيين مشتبه فيهم، كي لا يدخلوا عبر تركيا. هذه القوائم تحدث يوميا.

القضية العالقة مع تركيا أيضا هي مطالبة الأوروبيين إبرام “اتفاق تشغيلي” بين أجهزتها وبين “يوروبول”، أي الشرطة الأوروبية. يؤكد التقرير أنّ هذه المسألة لها الأولوية بالنسبة للعلاقة مع أنقرة. إبرام “الاتفاقات التشغيلية” مع “يوروبول”، يطالب التقرير بها مع جميع الدول المعنية بظاهرة “الجهاديين”.

يشرح الخبراء الأوروبيون أنه منذ شباط العام 2013، تم إنشاء نقطة اتصال في “يوروبول”، وهي تعمل بمثابة “أداة تحليل لعموم أوروبا ودول الطرف الثالث”. تعمل الوحدة حسب التقرير على “تحليل وتبادل معلومات بشأن التجنيد وتسهيلات السفر للمشتبهين”. يؤكدون أن نقطة الاتصال الجديدة يمكنها “تقديم تحليل لأنماط السفر وتقارير عملياتية بدعم من تحقيقات الدول الأعضاء”. يضاف إلى ذلك “القدرة على إصدار تقارير ظرفية مرحلية يمكنها مساعدة الدولة على الكشف والمراقبة وتحديد من يسافرون عبر الحدود الدولية للانخراط في أنشطة إرهابية”.

يطلب الخبراء من الدول الأوروبية ضخ أكبر قدر من المعلومات في وحدة التحليل في “يوروبول”، كما أن “الاتفاقات التشغيلية” مع دول الجوار السوري ستدعم عملها بشكل واضح.

من ضمن القضايا العابرة للحدود، المتصلة “بالجهاديين”، تبرز أيضا قضايا ملاحقة التمويل.

ويلفت تقرير الخبراء الأوروبيين إلى “القيمة الكبيرة” لبرنامج خاص يعمل لهذه الغاية، وهو “برنامج تتبع تمويل الإرهاب”. يؤكد الخبراء أنّ “وحدة التعقّب” لهذا البرنامج “قامت منذ إنشائه في آب 2010، بتوفير أكثر من خمسة آلاف بين أدلة وقرائن لدول الاتحاد الأوروبي بشأن تحقيقات مكافحة الإرهاب”.

وفي هذا الإطار يلفت المعنيون بالمسألة إلى أن “تقارير مكافحة التمويل المستندة إلى الأدلة أثبتت فائدتها لتحقيقات الدول الأوروبية بشأن مكافحة الإرهاب في سوريا، مثل المضبوطات النقدية في المطارات الأوروبية الأساسية”. في تشديد على هذه النقطة، يوضح الخبراء أنّ “المضبوطات كانت تقصد دعم أنشطة المقاتلين الأجانب المتواجدين داخل سوريا، وقد تم توفير أدلة وقرائن عبر البرنامج بشأن تحويلات مالية مرتبطة بمشتبهين وبأنشطتهم”.

عودة إلى دول الجوار، يؤكد الخبراء على أهمية مبادرة تبنتها الدول الأوروبية للمراقبة الحدودية.

القضية أساسا تمثل مصلحة مباشرة لهم، كما ورد سابقا، إذ يؤكد تقريرهم أنه “ليكون كشف المسافرين (المشتبهين) فعالا يجب تقوية أمن الحدود، خصوصا في الدول المحيطة بسوريا”. فإضافة إلى المشاريع المرتبطة بهذه المبادرة، ولدعم مساعيها، ينصح التقرير الأوروبي بإقامة “ورشة بشأن أمن الحدود في المنطقة، لتحديد ما الحاجات المطلوبة والمساعدة المتوفرة”.

المطلوب أيضا تقوية الحدود “الجمركية”، أمام البضائع، لأن ما يمكن أن يمر هنا ربما يؤدي إلى مصائب.

يبيّن التقرير أنه “يجب تعزيز المراقبة الجمركية”، معللا ذلك بوجوب “الانتباه جيدا إلى إمكانية أن يقوم المقاتلون الأجانب بالعودة مع بضائع غير شرعية مثل الأسلحة والذخائر أو المتفجرات، كما يجب الانتباه إلى ناقلي الأموال النقدية”.