عيون وآذان
اللاجئون السوريون في لبنان أصبحوا يمثلون ثلث سكان البلد، وهي نسبة مقلقة وتبرر شعور كثيرين بالخوف مما يخبئ المستقبل، إلا أنها حتماً لا تبرر أن يُهان اللاجئ السوري أو يُعتدى عليه، أو يُطرَد.
شئنا أم أبينا سورية ولبنان بلد واحد، وعندما اجتاحت اسرائيل لبنان سنة 1982، وخلال الحرب الأهلية بين 1975 و1990، وفي حرب صيف 2006 لجأ لبنانيون كثيرون الى سورية، ولم أسمع أنهم أُهينوا أو اعتُدي عليهم أو طُرِدوا.
هل بقيت مصيبة في العالم لم تصب السوري في السنوات الأخيرة؟ هو واقع بين سندان النظام ومطرقة معارضة بعضها إرهابي زاد عليها إحتلال داعش مناطق شاسعة من شرق سورية وشمالها. والنتيجة أن أربعة ملايين سوري مهجَّرون في دول الجوار، لبنان والأردن وتركيا، وأن مئة ألف سوري يفرّون من بلادهم كل شهر.
قلت إن الوضع ينطوي على أسباب حقيقية تثير قلق كل لبناني، غير أنني لم أقدِّر مدى سوء الوضع إلا بعد أن قرأ لي زميل سوري قول «أرتيست» لبنانية، تزعم انها إعلامية، إن على كل لبناني أن يقتل سورياً.
هي طُرِدَت من عملها، وأقول ضربة تضربك يا رب. لا أستطيع أن أشتم في جريدة محترمة مثل «الحياة» فأكتفي بأن أقول لهذه المرأة: «يلعن البطن اللي حملك»، وهذا دعاء عامي لا بد أن تفهمه. أسوأ منها فيديو ورجل في الضاحية يحضّ طفلاً له عمره سنتان أو ثلاث على ضرب ولد سوري عمره عشر سنوات أو نحوها، ثم يوزع الفيديو مفاخراً. هو حيوان في شكل إنسان، وأسمع الآن أن الشرطة أوقفته.
اتصلتُ بزملاء وأصدقاء في بيروت أسألهم عن حقيقة الوضع وبين ما سمعت:
– الشباب والطلاب والمثقفون السوريون سدَّت في وجوههم أبواب العمل ويبحثون عن هجرة ثانية.
– الأمن العام يداهم بيوت بعض السوريين في بيروت وخارجها، ومسلحون من حركة أمل قاموا بعد معارك عرسال الأخيرة باقتحام بيوت عمّال سوريين وإيقاف سيارات نقل في الضاحية، واعتدوا على اللاجئين السوريين بالضرب والإهانة.
– أسر كثيرة أُحرِقت خيامها وفرّت بحثاً عن ملاجئ في مناطق أخرى من البقاع.
– الاعتداءات تستهدف السوريين جميعاً من سنّة أو شيعة مع زيادة التذمر من الارتفاع الهائل في عدد اللاجئين السوريين في بلد صغير.
– أصبح سوريون كثيرون يتجنبون الحركة في بيروت خوفاً من التعرض لهم، وفي الضاحية اعتدى مسلحون من أمل على سوري لأن اسمه عمر.
– حتى قبل معارك عرسال اتُخذ قرار أمني بمنع أي سيارة سورية من التوقف في مرائب قريبة من البيوت والأماكن العامة في بيروت.
– ثمة دعوات مستمرة في صفحات التواصل الاجتماعي لطرد السوريين، وبعضها يضم تحريضاً على إعادتهم الى سورية ليُسجنوا أو يُقتَلوا.
– وزراء الشؤون الاجتماعية والاقتصاد والتجارة والتربية والتعليم العالي رشيد درباس وآلان حكيم والياس بو صعب ضمّهم مؤتمر عن جهود الأمم المتحدة والدول المانحة لمساعدة اللاجئين السوريين في لبنان، ولكن وزير الخارجية جبران باسيل حذر في مؤتمر صحافي من فتنة في لبنان إذا زادت أعداد اللاجئين السوريين.
– رئيس بلدية جزين-عين مجدلين يطلب «عدم إيواء أي لاجئ سوري جديد».
هناك مَثل شعبي سفيه لا يصلح للنشر في «الحياة» فأكتفي بنصفه الأول المهذب، وهو: كل المصايب حلت بِفَرَجْ… والسوري «أبو صيّاح» أصبح «فَرَجْ» العصر.
هل هناك ما هو أسوأ من أن يُقتَل السوري في بلده، أو يُهان ويُضرَب ويُعتَقل في لبنان ثم يُعاد الى سورية ليُسجَن أو يُقتَل؟ ربما كان وضع الفلسطيني-السوري أسوأ، فهو ارتكب الجريمتين، سوري وفلسطيني، وإذا لم يكن يعمل ورب العمل يدفع عنه ضمانات صحية أو لم يكن ثرياً فهو يُطرَد فوراً. منظمة مراقبة حقوق الانسان قالت في تقرير أخير لها إن الأردن أصبح يطرد الفلسطينيين المقيمين في سورية الذين لجأوا اليه، بمن في ذلك النساء والأطفال.
السوريون نحن، والانسان قد يُطلق زوجته، أو تطلقه هي، إلا أنه لا يستطيع أن يُطلق أهله، وليس عندي كلام مفيد فأتذكر قول الشاعر: جزى الله الشدائد كل خير / عرفتُ بها عدوي من صديقي.