IMLebanon

السياسة في إجازة والملفات الحياتية إلى الواجهة والأمن الوقائي يتعزز

فيما تُوسّع «داعش» أهدافها في العراق بسرعة قياسية وتُلغي الحدود مع سوريا، من جهة، وتعزّز الدوَل الغربية والأوروبية إجراءاتها الأمنية في مطاراتها خوفاً من عمليات إرهابية محتملة من جهة أخرى، ظلّ الأمن الاستباقي عنواناً أوّل في البلاد، بعد انكفاءٍ ملحوظ للحركة السياسية المتصلة بالاستحقاق الرئاسي وتراجُع الاهتمام الدولي بهذا الملف، فواصلَت الأجهزة الأمنية إجراءاتها الوقائية ورصدِ الخلايا الإرهابية التي ركّزت حملتها أخيراً على المسيحيين بقصد التخويف والترويع، وعلى الجيش اللبناني لأنه نجح في إحباط مخططاتها وضربها في معاقلها واستباق عملياتها الإرهابية، وتبديد المخاوف وتثبيت الاستقرار.

عادت الحياة السياسية إلى رتابتها بعد تراجع الاهتمامات الرئاسية وغياب أيّ مؤشّر على إتمام الانتخابات النيابية وتصدّر الوضع الأمني كلّ متابعة واهتمام، ما أفسحَ في المجال أمام القضايا المتصلة باللاجئين السوريين والتفرّغ في الجامعة اللبنانية والتقنين في ساعات الكهرباء والشِحّ المتوقّع في المياه، وغيرها الكثير، بأن تتصدّر المشهد السياسي. ومن المتوقّع أن تبقى السياسة في إجازة بالحدّ الأدنى حتى نهاية شهر رمضان، حيث ستبدأ المساعي لتخريج التمديد النيابي بحجّة الوضع الأمني، في ظلّ المخاوف من أن تتحوّل مراكز الاقتراع إلى أهداف للانتحاريين، كما بحجّة أنّ الانتخابات الرئاسية يجب أن تسبق الانتخابات النيابية، تجنُّباً للإشكالات الدستورية التي يمكن أن تنشأ عن إجراء الانتخابات في ظلّ الفراغ الرئاسي، فضلاً عن تحويل التمديد النيابي إلى مادة ضغط لإتمام الانتخابات الرئاسية.

إهتمامات اللبنانيين موزّعة بين متابعة تطوّرات الحدث العراقي سياسياً وميدانياً، وانعكاسه على مجمَل ملفات المنطقة، وبين الأخبار الأمنية عن رصد الانتحاريين والمداهمات والتوقيفات والبيانات التي تتبنّى التفجيرات وتتوعّد بالتفجير، وكان آخرها ما يسمّى بـ»لواء أحرار السُنّة-بعلبك» الذي توعّد «الصليبيّين» بوقف قرع أجراس كنائسهم في لبنان، والذي استدعى موجةً تضامنية مع المسيحيين، من دلالاتها أنّ اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، ضدّ الإرهاب والقتل والعنف ومع الاستقرار والسلام، ولكن من دلالاتها أيضاً هشاشة الوضع اللبناني، حيث إنّ بياناً افتراضياً (Virtuel) أثارَ الخوف والذعر والقلق، واستدعى اجتماعات أمنية واتصالات سياسية ومواقف تنديد.

جبهة البيانات

وفي هذه الأجواء، لم تهدأ جبهة البيانات «التويترية» والتهديدات بالتفجير وحملات التحريض على الجيش، وآخرها الهجوم العنيف الذي شنّه المتحدث الإعلامي باسم «كتائب عبدالله عزّام» سراج الدين زريقات عليه، فوصفَه بـ»العميل لإيران، العامل بأمر حزب الله»، وأنّه يقوم بحملة في ضواحي بيروت لإنزال رايات «لا إله إلّا الله» عن الأعمدة ومن الطرقات، «لأنّها رايات تمثّل أهل السُنّة».

وما كاد زريقات ينهي اتّهامه الحزبَ بالوقوف وراء لواء «أحرار السنّة – بعلبك» معتبراً أنّه إسمٌ وهميّ، حتى سارَع الأخير إلى الردّ عليه في تغريدة عبر «تويتر»، فخاطب زريقات بالقول: «أنتم الخوارج الذين تعملون لمصالح خارجية»، وأبدى استعداده لمجابهة أيّ تنظيم في لبنان يتجرّأ على المَسّ بمبادئه ومعتقداته أيّاً يكن».

مداهمات سرّية

تزامُناً، قالت مصادر أمنية مطّلعة لـ»الجمهورية» إنّ عمليات الدهم التي قامت بها القوى الأمنية تواصلت بعيداً من الإعلام في عدد كبير من المناطق بحثاً عن بعض المطلوبين وتعزيزاً لكلّ أشكال الأمن الإستباقي.

وعزّزت هذه القوى التحصينات والترتيبات الأمنية الإستثنائية، إضافةً إلى مقرّ رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة بعد توسيع نطاقه، أمام مقارّها الرئيسية ومحيطها وبعض المواقع العسكرية وسجن رومية، بعدما تحدّثت التقارير الأمنية الواردة من الأجهزة الأمنية الصديقة وتلك التي جمعتها الأجهزة اللبنانية عن احتمال تسعير العمليات الإرهابية بعد توقّفها لأيام عدّة على رغم حجم الجهود المبذولة لتطويق بعض المناطق المشبوهة وتعزيز المراقبة لبعض المجموعات النائمة.

وعزَت المصادر الأمنية عمليات قطع الطرق في بعض أحياء بيروت وتحديداً في الطريق الجديدة وطريق المطار ومحيطها ومناطق أخرى في الشمال والجنوب إلى الاشتباه بسيارات مفخّخة أو مواد متفجّرة، استناداً إلى «إخباريات مدنية»، وتبيَّن لاحقاً أن ليس هناك ما يشكّل خطراً على السلامة العامة وأمن المواطنين، لكنّها لم تكن في وارد أن تتجاهل أيّ رواية أو معلومة بهذا الشأن.

القضاء يختم التحقيقات

وأمس ختمَ مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر التحقيقات الأوّلية التي تجريها كلّ من مديرية المخابرات في الجيش اللبناني والشرطة العسكرية وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، مع الموقوفين الإرهابيين نتيجة عمليتي فندقي «نابوليون» و»دو روي». وطلب إحالة الأوراق إليه من أجل دراستها واتّخاذ القرارات القانونية المناسبة.

إنعكاسات إلغاء الإفطارات

على صعيد آخر، قال متابعون للأوضاع في الضاحية الجنوبية لـ»الجمهورية» إنّ قرار إلغاء «حزب الله» وحركة «أمل» للإفطارات الرمضانية خلقَ حالة من التذمّر لدى الجمعيات الخيرية، خصوصاً تلك التي تتبع للسيّد علي فضل الله وللشيخ عبد اﻷمير قبلان، إذ إنّ هذه الجمعيات تعتمد في جزء ﻻ بأس به من موازنتها على التبرّعات التي تجمعها في خلال حفلات اﻹفطار الرمضانية، فحرم قرار الحزب والحركة هذه الجمعيات من مورد ماليّ مهمّ.

وأشار هؤﻻء المتابعون إلى أنّ العلاقة بين الحزب والسيّد فضل الله والشيخ قبلان قد تأثّرت سلباً نتيجة هذا القرار، وأنّ اﻷمور وصلت إلى حدّ الحديث عن ضرورة مراجعة قرار الحزب بالتدخّل في سوريا وما نجمَ عن ذلك من تداعيات سلبية طاولت في شكل خاص أبناء الطائفة الشيعية ومصالحهم.

غارات ونزوح سوري

وفي هذه الأجواء، تواصلَت الانتهاكات السورية للسيادة اللبنانية، فاستهدف الطيران الحربي السوري بعددٍ من الصواريخ المناطقَ الحدودية في جرود بلدة عرسال.

وأشارت معلومات الى أنّ الغارات أدّت إلى مقتل شخصين وجرح 17 آخرين.

باسيل

في هذا الوقت، عارضَ وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل إقامة مخيّمات للنازحين السوريين على أراضي لبنان، «لأنّها شرعَنة لتوطين جديد»، وأكّد أنّ «إقامة مخيّمات على الحدود بين لبنان وسوريا قرار سياديّ لبناني لا دخلَ للمنظمات الدولية أو سوريا فيه، داعياً إلى إنشائها في المناطق العازلة على الحدود اللبنانية السورية، وقال باسيل: «نحن مع إعفاء السوريين من التكاليف المترتّبة عليهم مقابل خروجِهم وعدم عودتهم الى لبنان، خصوصاً أنّ 42% منهم قدِموا من مناطق آمنة وبعيدة»، وأشار إلى أنّ النازحين تجاوزوا ثلث عدد سكّان لبنان، وأوضحَ باسيل أنّ المستشفيات تسجّل 80 حالة ولادة سوريّة مقابل 40 ولادة لبنانية، ممّا يعني أنّ هذا النزوح اقتصاديّ لا سياسي، كذلك أحصَت وزارة التربية عددَ الطلّاب السوريين بـ88 ألفًا مقابل 85 ألف طالبٍ لبناني، وقال: «نحن مع إعفاء السوريين من التكاليف المترتّبة عليهم إثر دخولهم بطريقة غير شرعية مقابل عودتهم إلى بلدهم». سائلاً: «لماذا يستمرّ هذا النزوح في ظلّ انخفاض المعارك»، وأوضح أنّ «لبنان يدفع شهرياً لاستجرار الكهرباء من سوريا نحو 35 مليون دولار، في حين أنّه يقدّم الكهرباء مجّاناً للّاجئين بقيمة 100 مليون دولار.

واستدعى انتقاد باسيل سياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة السابقة ومقاربتها لملفّ النازحين السوريين، دفاعاً من الرئيس نجيب ميقاتي عن سياسة حكومته، وتمنّى أن توفّق الحكومة الحالية في معالجة ملفّ النازحين، وقال: «نحن بانتظار معرفة مدى نجاح معالي الوزير باسيل الذي يتولّى حاليّاً وزارة الخارجية والمغتربين، في إقفال هذا الملف الإنساني والوصول به إلى الخواتيم السعيدة التي نتمنّاها جميعاً».

إستحقاق

إلى ذلك، ظلّت مبادرة رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون محورَ المواقف. وفي هذا الإطار، اعتبرَ رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة أنّ «الطروحات السياسية التي أثارها البعض والداعية عملياً إلى صرف النظر عن انتخاب رئيس للجمهورية والالتهاء بدعوات إلى انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب على مرحلتين، تعني في المحصّلة تغييرَ النظام السياسي اللبناني الذي دفعَ اللبنانيون من أجل إنضاجه أثماناً فادحة وصولاً إلى ما تحقّق في اتّفاق الطائف»، لافتاً إلى أنّ أيّ تفكير بالتغيير والتعديل في النظام السياسي بشكلٍ ارتجاليّ ومتسرّع من شأنه تعقيد الأمور أكثر من وضعِها على طريق الحل».

وقال السنيورة: «إنّ التعديلات المقترحة بحاجة إلى التروّي والتفكير المدروس والحوار المعمّق، والبَتّ بشأنها يجب أن يكون مبنياً على قناعات عامة وليس على طروحات وطموحات فردية».

تقنين قاسٍ

على المستوى الحياتي، يشهد لبنان تقنيناً قاسيا في الصيف، بعدما بشّرت مؤسسة الكهرباء اللبنانيين رسمياً أمس بمزيد من العتمة، تماشياً مع تقلّص حجم الاعتمادات المخصّصة لها، ولعلّ أبرز هذه التدابير توقيف معمَلين عن الإنتاج وتقليص قدرة الثالث، والتوقّف عن استجرار الكهرباء من سوريا، والنتيجة صيف حار مع تقنين لنحو 11 ساعة يومياً.

وقد جاء إعلان هذا التدبير قبل انقضاء المهلة التي تنتظر فيها مؤسسة كهرباء لبنان جواباً من وزارتي المالية والطاقة في مسألة رفع تعرفة الكهرباء على كلّ الشطور، بما يوحي بأنّ الإعلان يهدف، بالإضافة إلى إعلام الناس بالوضع، إلى الضغط من أجل السماح بزيادة التعرفة. وفي هذا الإطار، شرحت مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان لـ»الجمهورية» أنّ «برنامج التغذية المقرّر خلال فصل الصيف والإجراءات المرافقة التي تعتزم المؤسسة اتّخاذها لا تعني مطلقاً أنّها تسلّمت جواباً سلبياً من وزارتي المالية والطاقة في شأن قرار رفع التعرفة. فالمهلة تنتهي في 14 الجاري، ولا نزال نأمل برفع التعرفة قليلاً، كما اقترحَت المؤسسة في كتابها السابق إلى الوزارتين، وذلك من أجل تأمين مزيد من الإيرادات تغطّي ولو جزءاً بسيطاً من كلفة الإنتاج».

وأوضحَت المصادر أنّ برنامج التغذية هذا، أي توفير 13 ساعة تغذية في الصيف بدلاً من 16 ساعة، دخل تدريجياً حَيّزَ التنفيذ بدءاً من منتصف حزيران الماضي، وذلك من أجل بدء توفير التوازن بين الأموال المرصودة للمؤسسة حتى نهاية كانون الأوّل.

————

كوت:

مصادر أمنية لـ»الجمهورية»: عمليات الدهم تواصلت بعيداً من الإعلام

إلغاء الإفطارات الرمضانية خلق حالةً من التذمّر لدى الجمعيات الخيرية