كان الحفل مهيباً في مراحله الثلاث، قسَم اليمين في بيت الدستور، وتسلّم الحكم في مجلس الشعب، وخطاب العهد في قصر القبة، لكن المسؤوليات الثقيلة رست للتو على عبد الفتاح السيسي، الذي يواجه تحديات كبيرة، فإما ان ينجح في ضبط الامن وإطلاق ورشة حقيقية للتنمية تصنع مصر الجديدة، وإما ان تسحقه صخرة سيزيف الرغيف و”الاخوان”، فليس سراً ان الأمن والاقتصاد هما المدخل الوحيد لنهوض الدولة المصرية.
ما يتوافر للسيسي من العناصر الضرورية للنجاح لم ولن يتوافر لغيره. حسني مبارك أدار دولة الفساد الهرمة والمتكاسلة، محمد مرسي أدار دولة الاستئثار والحصرية الاخوانية، رحلة السيسي تبدو مختلفة، ففي الشكل كان المهم ان يعبر الى السلطة من بوابة الدستور وفي حضور هيبة القضاء وهو المؤسسة الأعرق في مصر، وفي الجوهر كان من الأهم ان يتم التسليم والتسلّم في اطار من احترام الديموقراطية بينه وبين عدلي منصور وللمرة الأولى في تاريخ مصر!
لكن العبرة ستكون بعد تسلم السلطة، فهل سينجح السيسي في ارساء قواعد الجمهورية الثالثة في مصر؟
كل العناصر اللازمة والضرورية للنجاح متوافرة تقريباً، فعلى الصعيد الداخلي وصل السيسي بتفويض من ٢٣ مليون مصري وهو مجموع ما حصل عليه مرسي واحمد شفيق معاً، ثم انه يحظى بدعم صلب من مؤسسة الجيش ومن القضاء وإدارات الدولة ومن كل شرائح المجتمع باستثناء “الاخوان المسلمين” الذين اسقطتهم ثورة ٣٠ يونيو.
وعلى الصعيد الخارجي يحظى السياسي بدعم غير محدود من السعودية ودولة الامارات والكويت والاردن والبحرين والسلطة الفلسطينية، يشي بذلك مستوى الوفود التي حرصت على حضور حفل التسليم والتسلم، وفي هذا السياق يشكل بيان خادم الحرمين الشريفين، الذي دعا الى مؤتمر اقتصادي لدعم مصر وانتشال اقتصادها من الانهيار، سنداً اساسياً لنجاح السيسي تشارك فيه دولة الامارات بقوة، فقد شكّل حضور ولي عهدها الشيخ محمد بن زايد وتأكيده الدعم المطلق للسيسي، إضافة طبعاً الى حضور امير الكويت الشيخ صباح، تأكيداً للاتجاه الى ما يشبه مشروع مارشال خليجياً لمصر!
خطاب القسم كان سياقاً طويلاً من الوعود التي تركزت على ثلاثة أمور اساسية: الامن والاقتصاد والمصالحة الداخلية. في الامن لا قيام لقيادة موازية تنازع الدولة صلاحياتها، في الاقتصاد التركيز على التنمية في كل مستوياتها، اما الرسائل الخارجية فقد كانت صريحة وواضحة “الأمن القومي العربي خط احمر… أمن دول الخليج من امن مصر”، وهذا كلام له وقعه العميق في طهران، التمسك بقيام الدولة الفلسطينية وبالتزامات مصر، والقول “مضى زمن التبعيّة”، وهذا كلام تفهمه واشنطن جيداً.
مسيرة السيسي على خطين: الامن والرغيف ويجب ان ينجح!