IMLebanon

«الشغور الأمني» يشغل الدول الغربية

توقّع اضطرابات قبل الانتخابات النيابية

«الشغور الأمني» يشغل الدول الغربية

هل سينسحب الشغور الرئاسيّ المحتمل اضطراباً أمنيّا في المرحلة القادمة في لبنان؟ سؤال تطرحه الأوساط الديبلوماسية الغربيّة في لبنان مستعيدة فترة الفراغ الحكومي الذي استمر 11 شهراً وتخللته حوادث أمنية متتالية (طرابلس، عرسال، التفجيرات، الاغتيالات)، فضلا عن اتساع خطر النزوح السوري الكثيف الى لبنان وما يخلقه من توتر مع المجتمعات المحلية.

هذا التوجّس الغربي المبني على الذاكرة القريبة، يرتكز أيضاً الى معطى موضوعي قد يفضي بالقوى الإقليمية المتنازعة في لبنان الى تحويل النية في تسريع الاستحقاق الرئاسي اللبناني الى مناسبة لاستخدام الضغوط الممكنة كافة، وفي مقدّمتها الضغوط الأمنية، وصولا الى بلورة الإطار المناسب لإجراء الاستحقاق. وتقول الأوساط الديبلوماسية الغربية إنّ «هذه الاضطرابات قد تتكثف وتتصاعد وتيرتها مع اقتراب الاستحقاق النيابي المؤجل في تشرين الأول المقبل».

بدأت الدوائر الديبلوماسيّة الغربية في لبنان تتحدّث عن الفراغ الرئاسي علناً، وباستثناء الأميركيين الذين يحصرون مفاوضاتهم الرئاسية «بدائرة ضيقة جدّاً» بقيادة السفير المتمرّس دايفيد هيل،

ومع ما يخفيه الغموض الأميركي من أسرار، إلا أنّ المعلومات الأكيدة هو أن مدة الفراغ الرئاسي غير محدودة ولا معروفة، وهي مرتبطة بـ«كلمة سرّ» ستأتي في موعدها غير المحدّد بعد.

بناء عليه، فإنّ اللبنانيين، برأي هذه الأوساط، هم الذين شرّعوا الأبواب أمام التدخّل الأجنبي في الاستحقاق الذي كان عليه أن يبقى داخلياً وذلك عبر «اجتراحهم» لمسألة النصاب الدستوري (مسألة أكثرية الثلثين) في انتخاب الرئيس، وهي غير ملحوظة دستورياً حتى في المادة 73 من الدستور التي لا تأتي على ذكر كلمة نصاب، وهذا مردّه إلى إيمان القوى اللبنانية بأن النفوذ الإقليمي والدولي هو الناخب الأول والأخير. بالإضافة الى العامل الدستوري، فإن الأوساط الغربية تتحدّث عن «فشل ذريع» مني به البطريرك الماروني بشارة الراعي في الأعوام الأولى من حبريته، إذ عجز عن لمّ الشمل المسيحي، ولعلّ أبرز تجليات ذلك هو عدم قدرته على الدفع لإنتاج قانون انتخابات نيابي صالح لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري فتأجلت سنة كاملة.

هذا التسرّب الدستوري والفشل المسيحي تقابله «حرب أعصاب» داخلية هي امتداد لتلك الحرب الدائرة حالياً بين السعودية وإيران، والتي ستمتدّ أو تقصر تبعاً لمجريات الاتفاق النووي الأميركي ـ الإيراني وما سيسفر عنه في النهاية.

هذه العوامل الداخلية والإقليمية المؤثرة في انتخاب الرئيس الجديد تبني هالة من الغموض حول مآل الاستحقاق الرئاسي اللبناني، الذي سيبقى مبهماً الى حين انجلاء غبار المعركة السعودية ـ الإيرانية وتناول المفاوضيْن السعودي والإيراني الملفات الشائكة، وآخرها سيكون لبنان.

هنا يمثل السؤال الآتي: كيف تتشبّث الدول الغربية باستقرار لبنان ثمّ تخاطر بتركه ساحة صراع سياسي متحركة؟

برأي الأوساط الغربية انّ «قليلا من الفوضى الأمنية لا يعني زعزعة الاستقرار، إلا أنّ الفشل الداخلي اللبناني في اقتناص فرصة انتخاب رئيس أعادت لبنان الى الرقص على فوهة الهاوية، كما فعل في فترة الفراغ الحكومي، الى حين هبوط كلمة السر مجدداً».

بعد خروج الاستحقاق الرئاسي من العباءة اللبنانية تعود الأسئلة المشروعة: أيّ «بروفيل» للرئيس المقبل؟ وهل من الممكن أن يكون العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية؟

لا مؤشّر ديبلوماسياً غربياً أو عربيّاً لغاية اليوم يؤكد فرضية «عون رئيساً»، ما يتناقض مع المشهد المتنقل في بعض الأوساط الداخلية من أنّ «الجنرال» آت حتماً على حصان الوعود الحريرية. وتقول الأوساط الديبلوماسية الغربية العليمة لـ«السفير»: «الولايات المتحدة الأميركية لا تريد رئيساً قوياً ومشاكساً، لأنها تعتمد الواقعية في مقاربة الأمور، فميزان القوى الداخلي لن يقبل بذلك، كما أنّ الظروف في المنطقة متجهة صوب التسويات، ما يزيد من حظوظ رئيس التسوية الشبيه بالعماد ميشال سليمان، اي أنه لا يتمتع بقاعدة شعبية وراءه».

وتقول الأوساط الديبلوماسية الغربية: «العماد عون غير مرغوب فيه دوليّاً لأنه أعطى الكثير لحزب الله، وهذا ليس بالتفصيل الجانبي. قد يعتقد عون أن العلاقة مع حزب الله عامل قوّة لديه، ولكنها ليست كذلك، لأنه لن يتمكّن يوماً من ترويض الحزب وثنيه عن أهدافه التي تبحر في الإقليم كلّه، لأنّ ميزان القوى ليس بحوزة العونيين. أمّا الوعود الرئاسية فهي لم تتبلور بعد، ومن المرجّح أن يكون الرئيس سعد الحريري ينتظر كلمة السرّ كما جميع اللبنانيين». وتضيف الأوساط الديبلوماسية الغربيّة ذاتها: «صحيح أن الحريري اعتاد التغيير في مواقفه 180 درجة، واتخذ مواقف لا تنسى، منها زيارته الرئيس السوري بشار الأسد ثمّ أخيراً قبوله بالجلوس مع حزب الله في حكومة واحدة، لكنّ المرجح أن الحريري لن يقدم على تزكية خيار عون إلا بعد اتفاق إقليمي كبير لن يحصل فوراً، ما يعني أن ما يقوم به الحريري حالياً هو استراتيجية القضم والتهدئة في انتظار تبلور الأمور التي تأمل الدول الغربية ألا تترافق مع التدهور الأمني المحتمل، وخصوصاً على أبواب الموسم السياحي المقبل».