فضّل رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي طفح به الكيل من تناقض معلومات المستقبليين بشأن الملف الرئاسي، الاجتماع بالرئيس سعد الحريري شخصياً لأكثر من ست ساعات حتّى يتبيّن له الخيط الأبيض من الخيط الأسود. جعجع الذي كانت تتعب أذنه اليسرى من تأكيد النائب فريد مكاري سير الحريري بعون مرشحاً لرئاسة الجمهورية وترتاح اليمنى من طمأنات الرئيس فؤاد السنيورة له، تمكّنت منه الإشارات المتناقضة ودفعته إلى السفر إلى باريس بهدف انتزاع موقف صريح من الحريري، فأتاه على عكس ما اشتهى!
دفعة واحدة بقّ الحريري البحصة في وجه جعجع. أول من أمس، كشف رئيس تيار المستقبل بعضاً مما كان يدور في الكواليس بينه وبين النائب ميشال عون. أخيراً، تحدث الحريري بعد أن «جفّ فم» الحلفاء المسيحيين من التساؤل عما يُسرّب عونياً عن أن الجنرال بات قاب قوسين أو أدنى من بعبدا بدعم مستقبليّ. فاتح الحريري جعجع بعبارة عن عون «الذي يطرح نفسه مرشّحاً توافقياً»، على اعتبار أن هذا السيناريو يمكن أن يكون واحداً من السيناريوات التي تُعدّ مخرجاً لأزمة الرئاسة.
الحريري أكد لجعجع أن بدء البحث في أسماء أخرى لا يعني دعم عون
في البداية، سُربت أجواء عن أن الحريري هو من طرح على جعجع اسم عون مرشّحاً توافقياً. أثار هذا الكلام بلبلة كبيرة، دفعت مصادر القوات إلى نفي كل ما قيل، قبل أن ينتشر كلام جعجع بالصوت والصورة، قائلاً إنه والحريري تحدّثا عن عون من ضمن الاحتمالات «التي استعرضناها». بدا القواتيون كمن يحاول كبت غضبه. وفي محاولة لإصلاح ما أفسده الحريري في باريس، خرج الرئيس فؤاد السنيورة في محاولة لجبر الخاطر، معلناً أن «تيار المستقبل سيحضر جلسة الانتخاب يوم الخميس ويصوّت لجعجع مجدداً». كلام السنيورة لم يخفف من استياء بعض القواتيين الذين أبقوا خطوط هواتفهم مفتوحة مع زملاء لهم في كتلة المستقبل ليل أمس، أثناء اجتماع عقده النواب الزرق لمناقشة آخر التطورات. إلا أن النقاش بحسب ما أكدت مصادر المستقبل لـ«الأخبار» لم يناسب طموح أنصار جعجع، بعد أن أكد حلفاؤهم لهم «الاستمرار في دعم الحكيم، وفي الوقت نفسه ضرورة استمرار الحوار مع التيار الوطني». وعلى الرغم من أن نواب الحريري لم تصلهم معلومات دقيقة عن اللقاء الذي جمع الحريري بجعجع، إلا أن الخلاصة التي أتتهم أن «الحريري أكد أمام جعجع أنه قدّم له ما استطاع في ملف الرئاسة، وأن بدء البحث في أسماء أخرى أو التراجع عن دعمه لا يعني أن تيار المستقبل سيرشّح ميشال عون أو يدعمه».
ورغم تأكيد المستقبل أن جعجع لا يزال مرشّح التيار، إلا أن لفريق الرابع عشر من آذار وجهة نظر أخرى. فبغض النظر عما إذا كان ما سُرّب عن اجتماع الحريري ـــــ جعجع حقيقياً أو «مجتزأً»، إلا أن الفرضية الأكثر قرباً إلى الواقع في رأي مصادر هذا الفريق هي أن «الحريري لعب على جعجع». تقول إن «أسلوب المدّ والجزر الذي اتبعه الحريري مع جعجع في الموضوع الرئاسي له هدف واحد، هو التنصّل منه في اللحظة المناسبة بعد إغراقه بسيل من الوعود». أولاً، «يدعم جعجع للرئاسة مع علمه باستحالة حصوله على الأصوات الكافية لانتخابه، وفي الوقت نفسه يفتح أبواب الاتصال مع التيار الوطني الحر ويقتنع بإمكان ترشيح عون للرئاسة، ومن ثم ينسف ورقة قائد القوات بتأكيده أنه لم يتخل عنه، لكن ما باليد حيلة». وبذلك يصيب الحريري عصفورين بحجر واحد «يُخرج جعجع من الاستحقاق من دون أن يقطع العلاقات معه».
لم تفاجئ أجواء الحريري الآذاريين. ذهب جعجع مع علمه أن شيئاً ينتظره. لكن ما قيل كان «أكبر من إمكانية بلعه» كما لفتت المصادر. باستهزاء تنبش هذه المصادر بعضاً من محطات الحريري الذي «ذهب إلى سوريا سابقاً دون التشاور مع حلفائه، ودخل الحكومة ضارباً عرض الحائط بموقف القوات منها، وعاد وفتح مع التيار الوطني الحر قناة اتصال فيما كانت معراب نائمة على حرير أكثر من شهرين قبل كشف المستور