أمس كان اليوم العالمي لحرية الصحافة، وغداً ذكرى شهداء الصحافة في لبنان. في المناسبتين تكثر الخطب الرنانة عن دور الصحافة والإعلام في عالم اليوم حيث أصبح كل مواطن صحافياً، بل ان كثيرين من الناشطين يملكون فضولاً صحافياً يفوق ذلك الذي يملكه العاملون في المهنة، ويتفوقون عليهم في سرعة نقل الأحداث عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.
والصحافة اليوم لم تعد تلك الرسالة، بل باتت حرفة وصناعة، تتميز بأنها تصنع رأياً عاماً، أو تدعي ذلك، أو تحاول الاضطلاع بهذا الدور، وهو صعب في عصر الانقسامات والاصطفافات المتجذرة. والصحافة في لبنان صناعة وطنية ميّزت وطن الأرز زمناً طويلاً وصنعت شهرته، لكنها عانت منذ زمن الحرب أزمة حريات وأزمة تمويل باتتا تهددان مستقبلها، أو على الأقل الشهرة التي صنعتها واكتسبتها، بمهنيتها وحرفيتها ودورها وفاعليتها وانتشارها. وليست القوانين هي السبب في تراجع الإعلام في لبنان، على رغم أنها قديمة العهد وتحتاج إلى تعديلات، بل إن المشكلة الحقيقية في الانقسام الافقي والعمودي الذي يتحكم فيه، وبات يحكم العاملين في هذا القطاع، عدا الارتدادات السيئة لتقاسم الحصص، اذ وزع مجلس الوزراء سابقا تراخيص الاذاعات والتلفزيونات على الاحزاب والطوائف، وجعلها، والإعلاميين العاملين فيها، أسرى هذه الأحزاب التي لا تكتفي بالتوجيه السياسي، بل تنظم الحملات المغرضة والمفرقة والمباعدة بين أبناء البلد الواحد. وهذا التقسيم أفقد الاعلام اللبناني الكثير من حريته وصدقيته، وبات يحتاج الى إعادة نظر وإلى ورشة حقيقية تبحث في الدور وفي المستقبل.
وفي مناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يحتفل به سنويا في 3 أيار، أكد مسؤولو الأمم المتحدة ان لا غنى عن وسائل الإعلام الحرة التقليدية والجديدة من أجل تحقيق التنمية والديموقراطية والحكم الرشيد. وحضوا الحكومات والمجتمعات والأفراد على الدفاع بقوة عن هذا الحق الأساسي باعتباره عاملاً حاسماً في تحقيق الأهداف الإنمائية المتفق عليها دوليا. وقال الأمين العام للامم المتحدة بان كي – مون “إن حرية التعبير واستقلالية وسائل الإعلام وحصول الجميع على المعرفة تعزز جهودنا لتحقيق نتائج دائمة للناس والكوكب في شكل عام”.
يعكس النقاش الدائر شعار اليوم العالمي لحرية الصحافة لهذه السنة، كفرصة للاحتفال بالمبادئ الأساسية لهذه الحرية والإشادة بالصحافيين الذين فقدوا حياتهم خلال أداء واجبهم، وكذلك لتسليط الضوء على أهمية وسائل الإعلام في عملية التنمية، وسلامة الصحافيين وسيادة القانون، واستدامة الصحافة ونزاهتها.
الصحافة اللبنانية اليوم أمام مفترق مصيري لا يعنيها وحدها بل يعني كل المهتمين بها كتراث حضاري، وواقع ضروري، وعلى الدولة أن تؤمن حمايتها كأي صناعة أخرى تحتاج الى حماية، لأن لا قدرة لها على المنافسة مع أوضاع غير مستقرة مالياً للمؤسسات وللصحافيين الذين لا صندوق لهم يقيهم شر العوز بعد تقاعدهم.
لبنان رائد الحرية ويمكن ان يبقى كذلك، وان تستمر صحافته رسالة، فلا تتحول مهنة كسب رزق، ولا يتحول اعلامه المرئي للترويج الإباحي، شرط ان تجد هذه المؤسسات دولة ترعاها، وتعتبرها من مقومات الوطن، فتدعم بقاءها واستمرارها . نعرف تماماً أن أحداً لا يهتم بلبنان لكثرة المشكلات والملفات العالقة، ولكن حان الوقت لأن تقوم النقابات بدورها الحقيقي، وان تضطلع وزارة الاعلام بدور فاعل ومؤثر في الاتجاه الايجابي ولو مرة واحدة، فلا تضيع وقتها في اختراع قوانين جديدة تشكل الضربة القاضية للإعلام اللبناني برمته، بل تجهد لتنظيم دقيق مع اهل الاعلام أنفسهم يشمل دعماً حقيقياً واعفاءات ضريبية، الى ما هنالك من خطوات تحافظ على الاعلام اللبناني حراً.