IMLebanon

الصيغة إلى أين؟

السلطة التشريعية معطّلة بقرار أصدره النواب المسيحيون، وتبنّاه نواب كتلة المستقبل وباقي مكونات 14 آذار وشارك فيه نواب جبهة النضال الوطني من منطلق معارضته لمشروع سلسلة الرتب والرواتب الذي يؤدي في حال أقرّه مجلس النواب الى إفلاس الدولة.

والسلطة الاجرائية الممثلة بحكومة المصلحة الوطنية برئاسة تمام سلام، معطّلة أيضاً منذ الخامس والعشرين من الشهر الماضي من قبل وزراء تكتل التغيير والاصلاح وكتلة نواب حزب الله والسبب إعتراض وزراء هذا الفريق على أن تمارس الحكومة صلاحيات رئيس الجمهورية كما نصت عليها المادة 62 من الدستور إعتقاداً منهم أن تعطيل الحكومة يعجّل في ملء الفراغ في رئاسة الجمهورية، في الوقت الذي يقع على هذا الفريق مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية لأنهم لم يحضروا وليسوا على استعداد لحضور أي من الجلسات التي يدعو إليها رئيس مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد يسدّ الفراغ في موقع الرئاسة الأولى ويعطي المسيحيين التطمينات اللازمة الى أنه لا يوجد أحد في لبنان يرغب في تعدل أو تغيير النظام القائم والذي يحافظ على صيغة العيش المشترك التي نص عليها اتفاق الطائف وهذه الصيغة كرّست للمسيحيين موقع رئاسة الجمهورية وللطائفة الشيعية موقع رئاسة مجلس النواب وللطائفة السنّية موقع رئاسة مجلس الوزراء.

ومنذ أن أصبح اتفاق الطائف قبل حوالى ربع قرن ساري المفعول لم يقدم أحد من الأفرقاء على التعدي على هذا الاتفاق أو مجرد الاستقواء عليه لإحراج المسيحيين أو إثارة هواجسهم وخوفهم على هذا الاتفاق من أن يعتدي عليه أي من الفريقين الآخرين، لأنه يكون بذلك قد خرج عن الميثاق الوطني الذي أنشئت بموجبه دولة لبنان الكبير بعد نزاع طويل على هوية هذه الدولة وحتى على وجودها في الأساس.

والمؤسف أن الجانب المسيحي هو الذي أقدم على تعطيل نصاب انتخاب رئيس الجمهورية بإرادة ذاتية منه، ومن دون أن يمارس عليه شريكه في الوطن أي ضغط معنوي أو مادي للانقلاب على هذا الميثاق، بل كان هؤلاء الشركاء هم الأكثر تمسكاً بالصيغة والاصرار على تطبيقها وعلى عدم التعدي عليها رغم الضغوط التي بذلها النظام السوري عندما كان محتلاً هذا البلد للانقلاب عليها وإخراج لبنان من المعادلة التي أرساها من بنوا دولة لبنان الكبير.

والفريق المسيحي الذي يمثله العماد ميشال عون أقدم على هذه الخطوة، وهو يعرف نتائجها السلبية على الوجود المسيحي في لبنان وفي هذا الشرق لأن شريكه في هذه الخطوة لم يعد راضياً على الصيغة بعدما تمدد على مساحة الجغرافيا اللبنانية وصار يملك قوة عسكرية تجعله قادراً على فرض معادلة جديدة في الحكم على باقي الطوائف اللبنانية التي تشكل منها لبنان، ولأنه من جهة ثانية يحقق طموحاته في الوصول الى رئاسة الجمهورية.

ومارس العماد عون على هذا الصعيد سياسة أنا أو لا أحد، بمعنى أنه مستعد للتضحية ليس بموقع رئاسة الجمهورية وحسب، وإنما بالنظام القائم على مبدأ العيش المشترك والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ورغم أن البطريركية المارونية تعلم هذا الأمر فلا تزال تساوي في دعواتها بين من يسعى لانتخاب رئيس جديد وبين من يصرّ على أن يكون هو هذا الرئيس وإلا فلتذهب المعادلة الذهبية المسمّاة صيغة العيش المشترك والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين الى جهنم.