IMLebanon

الصيغة الحكومية للإصدار: كلمات متقـاطعة

في موازاة هجمات ارهابية تتوخى تقويض الاستقرار وادخال لبنان في دائرة الفوضى الاقليمية، لا تبدو حكومة الرئيس تمام سلام في وضع تحسد عليه. تلتئم اليوم للخوض في سبل انتظام عمل مجلس الوزراء وآلية ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية. لكن دونما الافراط في تعليق الآمال

كان رئيس مجلس النواب نبيه بري اول مَن كشف، قبل اكثر من اسبوع، عن صيغة توافق محتملة تتيح لمجلس الوزراء ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية بما يجنّبه الاعتراض ويسهّل عقد جلسات دورية واتخاذ القرارات، ومن ثم اصدارها بمراسيم. في شهر من شغور رئاسة الجمهورية، التأم مجلس الوزراء ثلاث مرات غرق ابانها في جدل دستوري حيال ممارسته صلاحيات الرئيس من دون الاتفاق على نطاقها وحدودها.

لم يسعه في اي منها مناقشة جدول اعماله، ولا بتّ آلية عمله، في مرحلة باتت تؤكد يوما تلو آخر ان الاستحقاق الرئاسي مؤجل، وربما الى ابعد مما هو متوقع، وان المهمة الانتقالية الموقتة المنوطة بحكومة الرئيس تمام سلام تكاد تمسي طويلة ودائمة.

في اليومين المنصرمين، حينما كان يُسأل عن رأيه مجددا في الصيغة المطروحة امام مجلس الوزراء لممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، لم يكن بري يوحي بموافقته عليها وارتياحه اليها، والى اقتناعه بها حتى. لمّح امام زواره الى افتقارها الى السند الدستوري. الا انه عزّز في الوقت نفسه حجتها، بل الحاجة اليها: لن يتاح اجتماع مجلس الوزراء سوى بذلك الحل وتوقيع مفوضي الكتل القرارات. ينبغي ايجاد طريقة لانعقاد مجلس الوزراء واستمرار عمل الحكومة والحؤول دون تعطيلها.

ربط الحجة هذه بأخرى: عبر عرقلة اجتماع مجلس الوزراء يعرقل عمل مجلس النواب. على الاثنين العمل معاً. انعقاد الحكومة ومثولها امام المجلس كي يتسنى له مراقبتها ومحاسبتها وكذلك ممارسته عمله في الاشتراع. اجتماع مجلس النواب بدوره كفيل بالمحافظة على الحكومة. من دونه تفقد دورها اذ تصبح خارج الرقابة، وتصير اقرب الى حكومة مستقيلة تصرّف الاعمال. لا يمكن تعطيل المؤسستين في آن، فيما البلاد بلا رئيس للجمهورية.

لرئيس البرلمان رأي قاطع لا يشاطره اياه افرقاء مسيحيون رئيسيون، هو ان انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء عند الشغور مطلق وتام. يرفض الخوض في تجزئتها وتمييز صلاحية عن اخرى او ممارسة احداها دون سواها، ويرى ان في وسع مجلس الوزراء استعمال الصلاحيات نفسها لرئيس الجمهورية ما دامت المادة 62 تنيط انتقالها كاملة اليه.

كان من السهولة بمكان تبرير وجهة نظر رئيس المجلس، وفي الوقت نفسه تنبيهه الضمني الى هرطقة هذا الاجراء وعدم دستوريته، وربما تمهيده لاعراف غير مألوفة وغير مسبوقة في الحياة السياسية والدستورية اللبنانية.

على ان المشكلة تكمن في الصيغة نفسها، المطروحة امام مجلس الوزراء، وتتناول تحديد الجهات المعنية بتوقيع قراراته بعد انتقاله من آلية التصويت على القرارات الى آلية اصدارها، ومن ثمّ من صلاحية منوطة به عملا بالمادة 65 الى اخرى منوطة برئيس الجمهورية عملا بالمادتين 53 و56. تقول الصيغة المقترحة بتوقيع رئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس مجلس الوزراء والوزراء المفوضين من كتلهم، نيابة عن رئيس الجمهورية، القرارت تلك بغية اصدارها وطلب نشرها.

في المشاورات والاتصالات المتلاحقة، تدرجت الصيغة المطروحة تبعا لاقتراحات ثلاثة:

اولاها، تعذر توقيع 24 وزيرا ما دام رفض اي منهم يعلق القرار ويحول دون اصداره.

ثانيها، تمثل كل طائفة بوزير يوقع بالنيابة عنها، ما يحيل مجلس الوزراء عندئذ مجلسا ملياً.

ثالثها، تفويض الكتل الى وزراء التوقيع باسمها.

الا ان عناصر الالتباس والغموض تقيم في الاقتراح الثالث كي تجعله اقرب الى كلمات متقاطعة، تتداخل فيه الخانات السود بالبيض:

1 ـ ادخال مجلس الوزراء في متاهات التوقيع بحصره اياه بالجهات الثلاث تلك (الرئيس ونائبه ومفوضي الكتل) توطئة لفتح الباب على جدل من نوع آخر: يوقع الوزراء المفوضون بصفتهم يمثلون كتلا ام طوائف؟ ذلك ان لكل من هذين التمثيلين حسابا مختلفا. فالنائب سليمان فرنجيه الذي يرئس كتلة نيابية ويتمثل في مجلس الوزراء يريد التوقيع الماروني (الوزير روني عريجي) على غرار الوزير الماروني جبران باسيل المفوض عن تيار الرئيس ميشال عون. ناهيك بما تردد الثلثاء عن ان الرئيس امين الجميل الذي يتزعم كتلة نيابية ويمثله في حكومة سلام ثلاثة وزراء احدهم ماروني يطلب توقيع طائفته.

يحتّم ذلك عندئذ توقيعين سنيين على الاقل لدى تيار المستقبل، اذا كان لا بد من الاخذ في الحسبان التوقيع الحتمي لرئيس مجلس الوزراء السنّي. ينسحب الامر على التوقيع الشيعي، اذ يمسي مزدوجا لوزيرين مفوضين من رئيس مجلس النواب وحزب الله. الامر الذي يحول دون اختصار الكتل بوزراء مفوضين قليلين كي يرتفع العدد الى نصف الحكومة في احسن الاحوال.

بري: ينبغي ايجاد

طريقة لانعقاد مجلس الوزراء واستمرار

عمل الحكومة

2 ـ يؤول توقيع الوزير المفوض الدرزي عن كتلة النائب وليد جنبلاط الى توقيع مماثل وزير كاثوليكي عملا بقاعدة المساواة بين التمثيلين الدرزي والكاثوليكي في مجلسي النواب والوزراء. ما يضاعف هنا قياس التوقيع بانتقاله من كتل الى طوائف، بغية تكريس المشاركة الفعلية في مجلس الوزراء، والتقاسم العادل لصلاحيات رئيس الجمهورية.

3 ـ تحول مجلس الوزراء مجلسا رئاسيا يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية ويمنح كل وزير مفوّض التوقيع حق النقض، ناهيك بانتفاخ حجم دوره بتمسكه بقسطه من صلاحيات الرئيس. لعلّ المثل المعبّر توقيع نائب رئيس مجلس الوزراء الارثوذكسي القرارات الى جانب رئيس مجلس الوزراء، فيما لم يُعط هذا المنصب، وخصوصا بعد اتفاق الطائف، صلاحية دستورية في ظل رئيس الحكومة كما في غيابه، او اتيح له الحلول محله.

بل يكمن مغزى هذا التوقيع في ما أسرّ به نائب رئيس مجلس الوزراء سمير مقبل لبطريرك الروم الارثوذكس يوحنا العاشر اليازجي قبل ايام، من ان الطائفة من خلاله اضحت في المنصب المسيحي الاول في الدولة، وانه الممثل الاول للمسيحيين في غياب رئيس الجمهورية. يستعيد بذلك حنينا الى عام 1926 عندما انتخب ارثوذكسي اول رئيس للجمهورية عام 1926 هو الرئيس شارل دباس.

4 ـ تكمن ثغرة دستورية مهمة في الصيغة المطروحة، عندما تهب الوكيل ما حرم الدستور الاصيل اعطاءه اياه. المقصود بذلك المادة 56 التي تقيّد رئيس الجمهورية بمهلة محددة هي 15 يوما لطلب اعادة النظر في قرار مجلس الوزراء او اصداره، بانقضائها يصبح القرار نافذا. لا تشير الصيغة المطروحة الى هذا الشق، ولا تقيّد الوزير المفوض التوقيع بما قيدت المادة 56 رئيس الجمهورية. فاذا للوكيل صلاحيات تتجاوز تلك التي يتمتع بها الاصيل، يمارسها باسمه وبالنيابة عنه. وهو فحوى القول بتجميد قرار يعترض وزير مفوض على توقيعه.