انتحاري فرنسي ثان.. يعود مخفوراً إلى باريس
الضاحية والجيش بمواجهة الإرهاب مجددا: مفقود و20 جريحا
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الحادي والثلاثين على التوالي.
الارهاب المحاصر وطنيا بالسياسة والأمن.. يطل قبيل منتصف ليل الاثنين ـ الثلاثاء، على صورته الجبانة، الحاقدة، العشوائية، فيستهدف حاجزا للجيش اللبناني عند أحد مداخل الضاحية الجنوبية بين الطيونة وشاتيلا، لكن العناية الالهية حالت دون وقوع مجزرة، خصوصا وان التفجير وقع على بعد 25 مترا من تجمع لعشرات الشبان ممن كانوا يتابعون في أحد المقاهي مباريات “مونديال 2014″، وتحديدا مباراة البرازيل ـ الكاميرون.
ووفق مندوبي “السفير” الميدانيين، فان الانفجار وقع قرابة الحادية عشرة وخمسين دقيقة، ونجم عن انفجار سيارة قديمة الطراز (“مرسيدس” 180 موديل 1961 وموضوعة في الخدمة في العام 1968، وتعود ملكيتها الى حسين م. ح. ـ جويا، وتحمل الرقم 144631- و)، تبين أنها مسروقة وتم العثور بداخلها على فتائل موصولة بمواد لم تنفجر.
وفيما طغت فرضية الانتحاري نظرا لوجود اشلاء بشرية في مسرح الجريمة وبالقرب من السيارة المنفجرة، ترددت معلومات عن العثور على اشلاء بعضها بلغ الطبقة الرابعة من احدى البنايات المجاورة، كما تعددت الروايات بشأن سائق السيارة، وقال أحد شهود العيان ان الشخص الذي كان يقود السيارة ترجل منها بعد ان اطفأ محركها وسط الشارع، متذرعا بحصول عطل فيها، وما ان ابتعد عنها حتى تم تفجير السيارة.
وقال شاهد عيان آخر انه مرّ بدراجته النارية بالقرب من سيارة “المرسيدس” قبل انفجارها، وما ان بلغ بابها الامامي، حتى توجه بالسؤال الى سائقها عن سبب ايقاف السيارة في عرض الشارع، فأجابه بان مفتاحها مكسور، واشار الى ان السائق ثلاثيني، وذو لحية ليست كبيرة وقد بدا عليه الارباك حين تكلم معه.
وفي رواية اخرى ان عنصرين من الامن العام ارتابا بالسيارة بعدما ترجل منها سائقها وتركها في وسط الشارع، فسارع احدهما ويدعى عبد الكريم حدرج الى شهر مسدسه على السائق الذي قام بتفجير السيارة على الفور، فاصيب احد العنصرين بجروح فيما بقي مصير حدرج مجهولا.
عكس السير
وقالت مصادر أمنية إن انتحاريا كان يقود السيارة عكس خط السير، عند مدخل الضاحية الجنوبية الشمالي الغربي، وتحديدا عند بداية أوتوستراد الشهيد السيد هادي نصرالله (قبالة جامع الامام محمد مهدي شمس الدين في شاتيلا)، وقام بتفجير نفسه بواسطة جهاز تفجير.
وبدا أن هناك فرضية من اثنتين: الأولى، أن السائق لا يدرك المنطقة وطرقاتها، فدخل عكس خط السير، أو أنه تهيب اجراءات الجيش لجهة اليمين، فقرر أن يسير عكس السير، وهو الاحتمال المرجح، علما أن بعض شهود العيان تسنى لهم أن يتحدثوا معه، وقالوا انه كان يتكلم بلكنة سورية.
وقد وقع الانفجار على مسافة أمتار قليلة من حاجز الجيش اللبناني المحصن اسمنتيا وبعوائق حديدية، حيث أكدت مصادر عسكرية ان أحدا من عناصره لم يصب بأذى، لتقتصر الاصابات على بعض من صادف مرورهم في الشارع بالتزامن مع التفجير، فضلا عن بعض رواد “مقهى ابو عساف”، بالاضافة الى بعض المواطنين ممن تأذوا من جراء تناثر الزجاج في بعض الشقق السكنية المطلة على ساحة الانفجار في الشياح ـ شاتيلا.
ووفق حصيلة أولية من مصادر متقاطعة، سقط 20 جريحا، نقل عشرة منهم الى مستشفى الساحل، ومعظمهم اصاباتهم طفيفة، باستثناء شخص واحد تبين أنه يحتاج الى جراحة دقيقة، فيما قالت مصادر طبية أن معظم الجرحى غادروا المستشفيات في ساعة متأخرة من فجر اليوم.
وفور وقوع الانفجار، سادت بلبلة في المكان، وارتفعت سحب الدخان، قبل أن تبدأ مواقع التواصل بنقل الصور والأخبار، حيث تضاربت المعلومات حول عدد الضحايا، وما اذا كان الانتحاري شابا أو فتاة، قبل أن يجزم عدد من شهود العيان انه رجل في العقد الثاني أو الثالث من عمره.
وأظهرت طريقة دخول السيارة ونوعيتها وزنة العبوة وعملية التفجير، أن ثمة ارتجالا وعشوائية في التنفيذ، إذ إن طريقة دخول السيارة لا تشبه أبدا طريقة تفجير باقي السيارات في الضاحية الجنوبية وآخرها عملية تفجير سيارتين في محلة بئر حسن غداة تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، وتحديدا في التاسع عشر من شباط المنصرم.
وقد رافق الانفجار اطلاق أعيرة نارية لتفريق المحتشدين ولإفساح المجال أمام سيارات الاسعاف للوصول الى المكان، قبل أن يفرض الجيش اللبناني والشرطة العسكرية وقوى الأمن الداخلي، بالتعاون مع أجهزة أمنية حزبية، طوقا حول مكان الانفجار.
وتبين وجود أشلاء في مكان الانفجار، وكذلك في جدار الطبقة الرابعة في احدى الشقق المقابلة لمكان الانفجار وكذلك على بعض الجدران القريبة، كما تبين أن الانفجار أدى الى تدمير سيارة “المرسيدس” وسيارات أخرى كانت موجودة في المكان وبينها سيارة “بي ام” سوداء اللون كان يقودها أحد العابرين على الأوتوستراد، وقد جرح ونقل الى المستشفى.
وتولت فرق الاطفاء إخماد الحرائق، كما تولت فرق الصليب الاحمر اللبناني والدفاع المدني والهيئة الصحية الاسلامية وجمعية الرسالة الاسلامية التابعة لحركة “امل”، نقل المصابين الى المستشفيات.
وتفقد مكان الانفجار مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر وأعطى تعليماته للاجهزة العسكرية والأمنية للتحقيق في الجريمة، فيما قامت الأدلة الجنائية بجمع بقايا الانتحاري وأدلة أخرى معظمها من السيارة المنفجرة التي أحدثت حفرة طفيفة في أرض الأوتوستراد (قدرت زنة عبوة التفجير بما دون 50 كيلوغراما).
المشنوق : إجراءاتنا أربكتهم
وقال وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ”السفير” إن الانفجار بالطريقة التي تم فيها، يدل على ارتباك الانتحاري، وهو دليل على ان الوضع الامني بالاجراءات المتخذة ممسوك، وتمنى الشفاء العاجل للجرحى الذين اصيبوا جراء الانفجار، وقال: “الحمدلله ان معظم الاصابات طفيفة”.
وردا على سؤال قال المشنوق ان “كل الاجراءات متخذة من قبل الاجهزة الامنية والعسكرية، ولو لم تكن كذلك لما جاءت السيارة عكس السير، ولما انفجرت بطريقة عشوائية على غرار ما حصل في ضهر البيدر”.
وفيما تكتمت الأجهزة الامنية على سير التحقيقات مع الموقوفين في الشمال والبقاع، اشارت مصادر أمنية الى أن “انتحاري جزر القمر” الفرنسي الجنسية نزيل “فندق نابليون”، اقرّ في التحقيق بانتمائه الى تنظيم “داعش”، وبأنه قدم الى لبنان لتنفيذ عملية انتحارية، وبأنه لا يعرف طبيعة الهدف ولا الجهة التي كانت ستتولى استقباله وتجهيزه ولا الآلية التي كان سيستقلها ولا التوقيت، معتبرا أنه مجرد “ديليفري” وكان ينتظر اتصالا به في الفندق.
ترحيل انتحاري ثان
وكشفت المصادر لـ”السفير” أن جهازا أمنيا لبنانيا نجح في الأسابيع الأخيرة بتوقيف انتحاري فرنسي، بناء على معلومات أجهزة أوروبية، في مطار بيروت الدولي، لكن السلطات اللبنانية، وبالتنسيق مع الفرنسيين، قامت بترحيله الى باريس، ليتبين أنه قدم الى لبنان وهو في طريقه الى الأراضي السورية لتنفيذ عملية انتحارية هناك، بتكليف من أحد فروع تنظيم “القاعدة”.
الى ذلك، أفاد مراسل “السفير” في طرابلس، ليل أمس، أن تحرّكات الإسلاميين في عاصمة الشمال استعادت زخمها تحت عنوان المطالبة بالإفراج عن الموقوفين لدى الجيش اللبناني، على خلفية المشاركة في جولات العنف التي شهدتها طرابلس على مدى السنوات الماضية، ما أعاد المخاوف على الخطة الأمنية فيها، خصوصاً في ظل التهديد الذي أطلقه الشيخ سالم الرافعي أمام المعتصمين في ساحة مسجد حربا في التبانة ليل أمس، بأن “الظلم سيوحّد قوانا كما في العراق، وإن حصلت انتفاضة هناك لأهل السنّة، فنحن قادرون على ذلك هنا في طرابلس”، وقال: “نريد إطلاق سراح كل الموقوفين الذين كانوا يدافعون عن طرابلس، وذلك قبل رمضان، وإلاّ فانتظروا خطوات تصعيدية”.