IMLebanon

الضرب بالميت حرام..  

تجرّأ اللبنانيون كثيراً على بعضهم البعض وإستباحوا كلّ شيء.. من التخوين إلى التجريح والقتل والتفجير.. وتجرّأ اللبنانيون على دولتهم ومؤسساتهم وحدودهم.. تجرّأوا على أديانهم ومذاهبهم وأيضاً على كيانهم وهويّتهم الوطنية ووحدتهم.. تجرّأوا على إقتصادهم وتقدّمهم.. وأخيراً تجرّأوا على مستقبل أبنائهم وشهاداتهم.. نعم فعلنا كلّ شيء وبدون أي تردّد وكأنّنا جميعاً مغادرون هذه الأرض وهذه التجربة.. بعضنا إلى الماضي البعيد أو القريب.. والبعض الآخر إلى المجهول.. وبذلك يكون اللبنانيون جميعاً قد خسروا الماضي والمستقبل..

علينا أن نخجل من حالنا واستكبارنا وادّعائنا.. وقمة ذلك الإدّعاء عندما نشاهد أنفسنا ونحن نتحدث عن أزمات العراق وداعش وسوريا وغزة وأوكرانيا.. وعن الإدارة الأميركية.. وإلى ما هنالك من مسرحيات مضحكة مبكية للبنانيين العظماء.. الذين يعرفون كلّ شيء في هذا العالم إلاّ كيف يعيشون في وطنهم بسلام.. ويفهمون بكلّ دول العالم وكيف تدار إلاّ بدولتهم ومؤسساتهم.. وأنا منهم طبعاً..

يتنافس السياسيون والإعلاميون في البحث عن المعلومة أو الخبرية.. فلا تستطيع في لبنان أن تميّز بين السياسيين والإعلاميين.. فجميعهم يتحدّثون عن المعلومات وينتظرون نشرات الأخبار ويقرأون الصحف ليتابعوا الأخبار.. التي يعرفونها أصلاً.. ثم يسرعون في اتّخاذ المواقف منها تأكيداً أو تكذيباً.. ويحرصون على أن يتأكّدوا من سعادة الجمهور من نتائج نزاعاتهم الوهمية والفارغة من أي مصلحة وطنية..

أشعر بمرارة عميقة وأنا أتابع النخبة السياسية وهي لا تقيم أي إعتبار لعقولنا وإدراكنا وتجربتنا ومراراتنا الطويلة.. مع التّسطّح والإرتجال.. واعتبارنا مكوّنات غريزية تسعد بالقتل والدمار وكأنّ الآخرون ليسوا أهلنا ومواطنينا.. وأنّ المؤسسات الوطنية ليست دولتنا وكياننا.. وكأنّ الحدود ليست حدودنا ومحل سكينتنا واستقرارنا..

لا تخجل الطبقة السياسية من عدم إنتخاب رئيس للجمهورية.. ولا تخجل من عدم إصدار موازنة عامة منذ عشر سنوات.. وعدم تسليح الجيش والقوى الأمنية.. وتراجع في الإقتصاد والإستثمار.. وعدم وجود سياحة أو مياه أو كهرباء .. كما لا تخجل الطبقة السياسية من تهديدات اللجوء السوري.. إجتماعياً وسياسياً وأمنياً وإقتصادياً.. ولا من الإصرار على إجراء الإنتخابات النيابية وجنودهم أسرى.. وبلادهم فوضى.. ومواطنيهم مكدّسين على أبواب السفارات طلباً للهجرة ..

تنازلت النخبة المدنية والفكرية والإبداعية عن دورها في النقد والتصويب.. وتقدّم السياسي على الوطني في كلّ أمر.. فنادراً ما نرى كاتباً أو روائياً أو شاعراً أو رساماً يعطي رأيه في القضايا الوطنية.. لا بل على العكس يحاول الجميع التّبرّؤ من الإصطفافات الطائفية والمذهبية والفئوية التي دمرت ولا تزال تدمر النهوض الوطني في كلّ مجال.. ولم تعد الجامعات مصنعاً للنخب والرواد ولا مصدراً للدراسات والأبحاث..

أنا حزين جداً على لبنان واللبنانيين.. وعلى فرادتهم وتضحياتهم وحبهم للحياة.. لأنّهم كادوا أن يبلغوا شاطئ الأمان والحرية.. لكن الإستبداد والطغيان والإستهتار بوجودهم إغتال ذلك الحلم الجميل والحقيقي.. فكان الإغتيال بعد الإغتيال.. وجاءت حرائق سوريا والعراق وغزة وعرسال لتضعهم مرة أخرى في مهب الرياح..

لا أجد سبيلاً للتّعبير عما أعرفه وما أراه وعن مستوى الخواء السياسي والإعلامي والوطني في كلّ مجال وكيف أنّنا ننحر أنفسنا بأيدينا.. ولا داعي حتى لداعش وجرائمها.. فنحن أوْلى بتدمير أنفسنا ومجتمعنا ووطننا ودولتنا وحدودنا وسكينتنا ومستقبلنا.. وكيف أنّ دولاً أخرى أكثر حرصاً منّا على سلامتنا وعلى جيشنا ودولتنا وهي تقدّم الهبات والمساعدات للجيش والقوى الأمنية من أجل الحفاظ على سلامتنا.. وكيف أنّ الرئيس الفرنسي هولاند أكثر قلقاً على لبنان من الطبقة السياسية اللبنانية وهو يحذّر من الأخطار التي تهدد العراق وسوريا ولبنان.. في حين أنّ الطبقة السياسية تفكر بالإنتخابات وإعادة تجديد الغباء والإدّعاء حتى ولو أدّى ذلك إلى ضياع لبنان..

يتابع اللبنانيون بدقة التّطوّرات والتّحالفات الإقليمية والدولية والإستعدادات لمواجهات طويلة الأمد.. وكيف أنّ إستبداد  داعش أنتج داعش.. وكيف أنّ العالم يتصدّى للدولة اللاحدودية بدولة الحدود الوطنية.. وكيف أنّ أربيل التي نعمت بما عُرف باتفاق أربيل.. إزدهاراً وسكينة.. هي بعد سقوط الموصل تقاتل دفاعاً عن غيرها وعن ذاتها.. ورغم كلّ ذلك تمعن الطبقة السياسية في تقويض أسباب الدولة الوطنية التي لا يمكن أن تكون إلاّ بوحدة الأرض والشعب معاً..

إنّ المصلحة الوطنية تقتضي بأن يدخل لبنان فيما يعرف بالعدالة الإنتقالية وأن تكفّر هذه الطبقة السياسية عن ذنوبها بانتخاب رئيس للجمهورية والتّمديد للمجلس النيابي ليقوم بما أهمله منذ عشر سنوات.. وهو تنفيذ إتفاق الطائف ووضع إستراتيجية دفاعية وتنفيذ إصلاحات «باريس2» وما طرأ عليها وإجراء بعض التعديلات الدستورية الضرورية.. ووضع إستراتيجية إنمائية قابلة للتّنفيذ.. لأنّ في ذلك خلاص للبنان.. والمصلحة الوطنية تكون بحسن تقدير الظرف والإمكانيات ومواءمتها مع الأهداف..

أردت أن أكون صادقاً في إظهار مرارتي ووجعي.. ولم أقصد الإساءة إلى أحد.. لأنّني أعرف أنّ الضرب بالميت حرام..