يتمنى كثيرون من العرب والمسلمين إقدام دولهم على مواجهة اسرائيل مباشرة إذا استمرت في استباحة قطاع غزة عسكرياً وفي قتل شعبه الفلسطيني. لكن هذا التمني ليس الأول ولن يكون الأخير، فالقطاع المذكور تعرّض أكثر من مرة لاعتداءات وحروب. لكن أحداً من الذين يتمنى شعبه اليوم تدخلهم لم يتحرك إلا لوقف إطلاق النار ولتقييد حركة المقاومين فيه. وعندما كانت النخوة العربية تفيض عندهم كانوا يقدمون المال رغم تأكدهم غياب أي ضمان لعدم تكرار الدمار والقتل. فهل تحقق الدول العربية والإسلامية تمنيات فلسطينيي غزة؟ ما أثار هذا السؤال مواقف ثلاثة أُطلقت خلال الأيام العشرة الماضية. الأول أعلنه أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله وتضمن التأييد والدعم للمقاومين الفلسطينيين وخصوصاً لـ”حماس” و”الجهاد الإسلامي”. لكنه لم يتضمن إلتزام تخفيف الضغط عن غزة بفتح جبهة الجنوب مع إسرائيل. والموقف الثاني أعلنه الرجل القوي في إيران الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس والمسؤول مباشرة عن تنفيذ استراتيجية بلاده المتعلقة بالشرق الأوسط وبالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. ورغم نبرة الصدق في كلامه المؤيّد للفلسطينيين وعبارات الدعم لكفاحهم والتهديد بأن قيادته لن “تسكت” على ذلك فإن التزاماً مباشراً وواضحاً وصريحاً بالتدخّل بالقوة لوقف قتل غزة شعباً وحجراً لم يظهر. أما الموقف الثالث فقد أطلقه ملك السعودية عبدالله بن عبدالعزيز في خطاب يوم الجمعة الماضي تحدَّث فيه عن غزة وعن الصمت الدولي غير المبرر حيال معاناتها محذّراً من انعكاس ذلك سلباً على العالم. لكنه بدوره لم يلتزم القيام بأي عمل مباشر لمساعدة غزة على مواجهة حرب إسرائيل. علماً أن القسم الأكبر من خطابه تركز على الارهاب “الإسلامي” وعلى تبرئة الإسلام الحقيقي منه وعلى الدعوة إلى مكافحته. أما التمني الشعبي العربي – والإسلامي المذكور فإن الواقع الاقليمي الراهن لا يشجّع على توقّع تحقيقه. فالعالم العربي – الإسلامي منقسم محورين واحد تقوده السعودية وآخر إيران الإسلامية. ورغم أن شعار الثانية الممانعة والمقاومة التي استحقَّتها بعد دعم “مقاومي” لبنان لتحرير اراضيه المحتلة من إسرائيل فإنه يبدو منهمكاً في هذه المرحلة في مواجهة محاولة إضعافه التي بدأتها من دون قصد ثورة سوريا والتي يستغلها المحور الأول لإزالة الخطر الإيراني عليه، والتي حققت نتائج ملموسة كان أبرزها انتقالها من الهجوم في المنطقة إلى الدفاع. ويعطل ذلك كله أي عمل عسكري لدعم غزة. طبعاً هناك إلى المحورين دولٌ مهمة مثل قطر وتركيا. لكن تحرُّكهما تحكمه اعتبارات عدة ليست كلها عامة. علماً أن زعيمة المحور الأول إيران تخوض معركة ديبلوماسية مع المجتمع الدولي ولا سيما مع أميركا حول ملفها النووي رسمياً وحول دورها الاقليمي فعلياً. وهي تستعمل فيها النار والقتال وإن على نحو غير مباشر. لكن وضعها في المعركة الثانية لم يعد كما كان. فالحدود البرية المفتوحة بينها وبين سوريا عبر العراق حليفها العربي الأول وربما الوحيد اقفلتها التنظيمات الإسلامية المتطرّفة و”التكفيرية” التي أفرزتها الثورة على نظام الأسد بعد إمعانه في القتل والتدمير وامعان العالم في السكوت على افعاله. وما قامت به في غزة وجعل منها مقاومة جدية لم يعد سهلاً تكراره. فالوصول إليها من مصر لم يعد سهلاً كما أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك، فضلاً عن تغيُّر موقف القيادة المصرية الحالية، والوصول إليها من البحر صار أكثر صعوبة. أما إسرائيل فمقفلة الحدود معها باستمرار. وسوريا الأسد المنهمكة في قتال الثوار والارهابيين عادت إلى موقع الدفاع، وهي ليست قادرة على إحياء نظام انتهى، وعلى استعادة السيطرة على كل جغرافيتها. وذلك يجعلها عاجزة عن الضغط العسكري المباشر على إسرائيل في الجولان. إذ أن هدفها اليوم هو حماية النفس والمنطقة – الكانتون الذي ستنكفئ إليه إذا دعت الحاجة. وهي وإيران غير قادرتين على الإفادة من “حزب الله” للضغط على إسرائيل من جنوب لبنان. فهو متورِّط بارادته في الحرب السورية وقد يتورّط في العراق. ولا يريد توريط لبنان ولا توريط نفسه في حرب أهلية داخله. ولا يستطيع أن يتحمّل هو أو شعبه تدمير مناطقهم بل لبنان كله.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الأولوية ستبقى لوقف إطلاق نار على الطريقة اللبنانية – الإسرائيلية الأخيرة. وذلك غير مستبعد وإن استلزم وقتاً ودماراً ودماً.