كان يمكن لمنظّمي مؤتمر «الطاقة الاغترابية» الثاني أن يغيّروا اسم المؤتمر وحصره بالانتشار اللبناني في دول أميركا اللاتينية، فيحققون بذلك نجاحاً استثنائياً في القدرة على إعادة بناء جسر التواصل مع شريحة من اللبنانيين اندمجت بصورة شبه كاملة مع مجتمعها الجديد ووطن الإقامة الدائمة.
وبدا وضحاً أن خطاب وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، في حفل افتتاح المؤتمر أمس في فندق «هيلتون ـ حبتورغراند»، والذي جرى تنظيمه بالتنسيق مع «جمعية الطاقة الاغترابية اللبنانية» و «الرابطة المارونية»، أنه يتوجّه إلى هذه الشريحة بالتحديد ليعيد إنعاش لبنانيتها من خلال «استعادة الجنسية واقتناء الأرض واكتساب اللغة. فنحن هنا لنحيي اللبنانية في كل واحد فينا، لا لبنان من دونكم ولا لبنان من دوننا.. نحن لبنان».
وبدا لافتا طغيان الطابع اللاتيني على المؤتمر، وغاب عنه الاغتراب اللبناني في القارات الأخرى، مع بعض الاستثناءات الفردية.
ولا شك في أن الوزير باسيل قد نجح في إضافة لبنة على طريق إعادة التواصل مع الجاليات اللبنانية وبعض الشخصيات ذات الأصول اللبنانية، ومن المفترض أن يشكل ذلك مدخلاً مهماً لبناء شبكة تواصل دائمة، غير أن بعض العناوين التي طرحها باسيل تحتاج إلى دولة، وإلى إجماع وطني على مفهوم الدولة وقيم المواطنة والوطنية، فالعمل على إنشاء «اللوبي اللبناني» مثلاً، يجب أن يسبقه توحيد المعايير والقيم التي سيعمل على نشرها والدفاع عنها في العالم، وحتى «استعادة الجنسية» خارج قانون الأحوال الشخصية الحالي، يبدو شعاراً سياسياً لأنه يفتقد البنية القانونية والتاريخية بما يضمن إعادة الجنسية لأصحابها وعدم تحوّل القانون إلى باب من أبواب التجارة اللبنانية.
وقبل هذا العنوان أو ذاك، وبحسب عدد من المشاركين في المؤتمر، أمس، «كان من الأفضل، أن يعقد المؤتمر بدعوة من رئيس الجمهورية الذي يمثل إجماع اللبنانيين، أو ان يعقد برعايته وحضوره، فما يحصل من فراغ رئاسي لا يشجع المنتشرين للسير نحو استعادة الجنسية في بلد يبحث عن نفسه».
وإلى استنهاض المشاعر، رأى باسيل أنه «يحق للجميع ان يطرحوا الأسئلة البديهية والمصيرية: كيف نحقق لبنانيتنا معاً جماعة وأفراداً؟ ماذا يكون لبنان من دونكم، ماذا تكونون من دون لبنان، ماذا يكون لبنان من دوننا؟ والجواب ولو كان بديهياً، بأن لا لبنان من دوننا، إلا أنه غيرُ كاف لإشباع هذا التساؤل الوجودي».
وتساءل باسيل: «هل نُحسن قراءة ما أمامنا اليوم من ظاهرة لنبني الغد، أم نخطئ القراءة فنخرب».
واستعرض باسيل نحو 12 عنواناً لمؤتمر قطاعي و43 ندوة متخصصة سيتحدث خلالها نحو 225 متحدثاً، ومن أبرز هذه العناوين: إطلاق مشروع «أنا» السياحي مع وزارة السياحة. مشروع الطاقة من أجل لبنان. العمل على إنشاء المدرسة اللبنانية (L,D,S) بالتعاون مع وزارة التربية وتعليم اللغة العربية في البعثات الديبلوماسية. استعادة الهوية الموروثة وتسجيل الولادات، «لذلك نطالب ونضغط معاً لإقرار قانون استعادة الجنسية، ولبدء عملية إعادة التسجيل ومكننة الوزارة وصولاً إلى التصويت الالكتروني». نشر قصص النجاح اللبناني في العالم. إعادة التواصل من خلال شبكة متكاملة (Lebanon connect). البدء بزرع بذرة المشاريع الاغترابية كـ «المجلس الوطني للاغتراب»، والصندوق اللبناني الاغترابي واللوبي الاغترابي، بعيداً عن التعجيز وتنميط عملنا المؤسسي».
وتحدث عدد من المغتربين الذين قدموا شهادات غلب عليها الطابع العاطفي، من بينهم: الرئيس التنفيذي لشركة «كولوني كابيتل» توماس براك، الباحث والأستاذ المتخصص بهندسة المخاطر في جامعة نيويورك للهندسة الدكتور نسيم نقولا طالب، الوزير السابق في جنوب أفريقيا الدكتور مايكل لويس، رئيس مركز سالم للأورام ومدير مركز طب الأورام في هيوستن البروفسور فيليب سالم، النائب الفيدرالي عن ساو باولو ريكاردو إيزار (عازار)، وسفيرة الإكوادور في الولايات المتحدة إيفون باقي، عضو البرلمان الكندي ماك حرب.
وقدم الجلسة الافتتاحية الإعلامي جورج قرداحي، وحضرها عدد من الوزراء والنواب الى جانب عدد من السفراء المعتمدين وممثلون عن السلك الديبلوماسي وفاعليات.