IMLebanon

العدو يتسلح بالمبادرة المصرية: غزة ستدفع الثمن!

المقاومة تردّ على نتنياهو وترفض الخضوع وإيلات في مرمى صواريخها

العدو يتسلح بالمبادرة المصرية: غزة ستدفع الثمن!

حلمي موسى

.. وانتهى اليوم الثامن لحرب “الجرف الصامد” كأيام سبقته، من دون أن تتوقف النيران، رغم المبادرة المصرية لوقف اطلاق النار ابتداء من التاسعة صباح أمس.

وفي التاسعة مساء أمس عقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر اجتماعاً عاصفاً، لا ليبحث فقط التصعيد على غزة بعد أن رفضت المقاومة المبادرة المصرية، وإنما ليبحث كذلك الخلافات التي دبّت بين صفوف الحكومة إثر هذه المبادرة. وبعد أن اتهم وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالتردّد والخضوع، أقال نتنياهو نائب وزير الدفاع داني دانون.

وشهد اليوم الثامن أيضاً سقوط صاروخين على إيلات، وإصابة عشرة إسرائيليين هناك. وعنت الصواريخ على إيلات أنه فعلاً لم يعد مكان في إسرائيل يمكن أن يكون آمناً، بعد أن شهدت الأيام قبلاً سقوط قذائف وصواريخ أيضاً من لبنان وسوريا. ويعني قصف إيلات أن هذا المكان الأبعد عن مركز فلسطين، والذي كان يشكل ملاذاً للفارين من مناطق التوتر، أصبح خارج الخدمة.

ورغم أن الساعات الأخيرة قبيل فجر أمس شهدت كثافة اتصالات على مستوى عالمي وإقليمي، بقصد تسهيل نجاح المبادرة المصرية إلا أن النيران لم تتوقف. فالحكومة الإسرائيلية عقدت اجتماعها صباح أمس لتعلن، في ظل خلاف داخلي، في الساعة التاسعة وبضع دقائق على قبولها المبادرة المصرية التي تفتح، من وجهة نظرها، الباب أمام تجريد غزة من صواريخها وأنفاقها بضغط دولي. ولم تنتظر قيادات “حماس” التاسعة صباحاً لتعلن موقفها، بل أعلنته قبل ذلك برفض المبادرة المصرية. ولأن رفض المبادرة كان مكلفاً، فإن قيادات من “حماس” حاولت في الساعات التالية تلطيف هذا الرفض والإيحاء بأن المبادرة موضع دراسة. ولكن خلال ساعات قليلة كان الرفض من “حماس” و”الجهاد الإسلامي” رسمياً وجلياً.

وذكرت “كتائب القسام”، في بيان، “لم تتوجه إلينا أي جهة رسمية أو غير رسمية بما ورد في مبادرة وقف إطلاق النار المزعومة التي يتم الحديث عنها في وسائل الإعلام. إن صحّ محتوى هذه المبادرة فإنها مبادرة ركوع وخنوع نرفضها جملة وتفصيلاً، وهي بالنسبة لنا لا تساوي الحبر الذي كتبت به”، متوعّدة إسرائيل بأن المعركة “ستزداد ضراوة”.

كما أعلنت حركة “الجهاد الإسلامي” رفضها المبادرة. وذكرت، في بيان، “أبلغنا الجانب المصري موقفنا بعدم قبول هذه المبادرة التي لا تلبي حاجات شعبنا وشروط المقاومة التي لم تستشر فيها”. وأضافت “هذه المبادرة غير ملزمة لنا، وسرايا القدس ستواصل عملياتها، جنباً إلى جنب مع كل الفصائل والأجنحة العسكرية، دفاعاً عن شعبنا في مواجهة العدوان الإسرائيلي”.

وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري شدّد، خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، على ضرورة العمل للوقف الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية. وقال “في سبيل تحقيق هذا الهدف، فإن مصر عملت على إجراء الاتصالات المكثفة مع الأطراف كافة للعمل على احتواء الأزمة والحيلولة دون مزيد من التصعيد، وقد شملت هذه الاتصالات القيادة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية المختلفة والسلطات الإسرائيلية، فضلاً عن عدد من الدول العربية والإسلامية، والأطراف الدولية الفاعلة. وقد تبلورت محصلة الجهود السابقة التي تمّت على أعلى مستوى عن المبادرة التي طرحتها مصر لحقن دماء الشعب الفلسطيني”.

والواقع أن إطلاق الصواريخ لم يتوقف ولم ينتظر الموقف النهائي والرسمي. فمنذ ساعات الصباح، ورغم إعلان الجيش الإسرائيلي إيقاف عملياته، تواصلت عمليات إطلاق الصواريخ وبكثافة بحيث طالت هذه المرة مناطق في أقصى الشمال الشرقي لفلسطين. وبحسب الإعلانات الإسرائيلية فإنه حتى السادسة مساء كانت المقاومة قد أطلقت أكثر من 120 صاروخاً. ووفرت صلية من قذائف الهاون على موقع عسكري إسرائيلي على معبر إيريز الفرصة لتعلن إسرائيل للمرة الأولى عن مقتل “مدني”، ادعت أنه كان يوزع الطعام على أفراد الجيش في الموقع.

وكان الجيش الإسرائيلي قد عاد بعد أربع ساعات من توقفه عن الغارات إلى الهجوم بشدة على غزة، معلناً استراتيجية جديدة تقوم على أساس الضغط على “حماس” وفصائل المقاومة من أجل القبول بوقف إطلاق النار. وأشار المعلقون العسكريون إلى أن الأسلوب الجديد يتمثل في شن موجات من الغارات ثم التوقف لرؤية ما إذا كانت الرسالة قد وصلت لقيادة “حماس” أم لا. غير أن الصواريخ ظلت تنطلق من غزة رغم الهجمات، التي أدت إلى استشهاد أكثر من 200 شخص وإصابة أكثر من 1420، معلنة أنه ليس في القطاع صناديق بريد لتسلم الرسائل الإسرائيلية.

وقبيل اجتماع المجلس الوزاري المصغر ليلاً عقد نتنياهو ووزير دفاعه موشي يعلون ورئيس الأركان بني غانتس مؤتمراً صحافياً لتوضيح الموقف للجمهور الإسرائيلي. ولخص نتنياهو الموقف بقوله: من دون وقف لإطلاق النار سيكون هناك إطلاق نار. وأوضح أن “حماس اختارت مواصلة المعركة، وهي ستدفع ثمن هذا القرار. من دون وقف للنار، هناك نار. كنا نفضل حل ذلك بطرق سياسية، لكن حماس لم تترك لنا خياراً سوى توسيع وتعظيم المعركة ضدها”.

وأضاف: “هذا الصباح جمعت وزراء الكابينت (الحكومة الأمنية المصغرة) وقررنا أن ترد إسرائيل بالإيجاب وتقبل وقف إطلاق النار. وقلت إذا واصل الجهاد الإسلامي وحماس إطلاق النار على مدن إسرائيل فسأصدر الأمر للجيش بالعمل ضدهم بشدة، وهذا ما فعلناه ظهر اليوم (أمس)”.

وكان واضحاً من حديث غانتس أن إسرائيل تراقب منذ أيام الأحداث أيضاً في الجبهة الشمالية رغم أن جوهر الفعل هو في الجبهة الجنوبية. وقال إن الجيش سيعمد إلى توسيع العملية “براً وبحراً وجواً”. ولكن المعلقين الإسرائيليين يشددون على أن الغارات الإسرائيلية لم تخرج بعد عن المألوف، وأن احتشاد عشرات الألوف من الجنود حول غزة لا يعني أن العملية البرية وشيكة. ورغم ذلك أشارت الصحف إلى أن قائد الجبهة الجنوبية الجنرال سامي ترجمان يؤيد عملية برية محدودة في القطاع. وأعلن قائد رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي أن العملية البرية المحدودة قريبة.

وفي كل حال فإن إسرائيل تحاول أن تعرض أمر قبولها للمبادرة المصرية على أساس أنها خطوة ذكية. فإذا قبلت “حماس” بالمبادرة فإن هذا يفتح الباب أمام تجريدها من الصواريخ والأنفاق، وإذا لم تقبل فسيتوفر دعم دولي للضربة الإسرائيلية الكبيرة للحركة. وفعلاً فإن المبادرة المصرية نالت على الفور تأييداً من الدول الغربية ومن الأمم المتحدة، ما حدا بوزير الخارجية الأميركي جون كيري وعدد من وزراء الخارجية الأوروبيين إلى إدانة استمرار “حماس” في إطلاق الصواريخ ورفضها المبادرة المصرية.

غير أن قبول نتنياهو بالمبادرة عرّضه لإحدى أخطر أزماته السياسية الداخلية. فقد شن ضده العديد من وزرائه، خصوصاً ليبرمان ونفتالي بينت، حملة اتهامات بالخنوع والتردّد. كما أن الأمر وصل إلى وزراء وأعضاء كنيست من الليكود. إذ طالب وزير الداخلية جدعون ساعر، نتنياهو بعرض المبادرة المصرية على الحكومة بكامل قوامها، لاعتقاده أن هناك غالبية لرفضها. كما ذهب نائب وزير الدفاع داني دانون، من “الليكود”، إلى حد اتهام نتنياهو بالخنوع وتوجيه صفعة للإسرائيليين بقبوله المبادرة المصرية.

وحاول نتنياهو إظهار تماسكه، فعمد إلى إقالة دانون من منصبه من دون أن يفعل الشيء نفسه مع ليبرمان. وهدّد دانون بنقل المعركة مع نتنياهو إلى مركز “الليكود”، ووصفه بـ”اليساري الخنوع”. ومن المؤكد أن بوسع دانون وجماعة اليمين المتطرف في “الليكود” التسبب بمشاكل كثيرة لنتنياهو في الأيام القريبة.

ومن جهة ثانية، طالب كثيرون في الأوساط السياسية والإعلامية نتنياهو بإقالة ليبرمان بعد أن شرع في توجيه انتقادات لرئيس الحكومة في زمن الحرب. لكن انتقادات ليبرمان وبقاءه في الحكومة تعني أنه يخوض الآن معركة لمصلحة مرحلة أخرى.