IMLebanon

«العدّ» العكسي

 

لن تنفع كثيراً مسارعة سلطة الأسد الى الانخراط في مواجهة «داعش» عبر الطيران الحربي، في تغيير المسار الذي بدأ في بغداد مع سقوط المالكي.

.. أو هكذا في الظاهر، ما تبدو عليه أمور هذا الفصل من الحرب الدائرة رحاها على كل المستويات مع ذلك التنظيم وطلاسمه.. كما أن هذا ما تفرضه أحكام القراءة المنطقية الباردة والناشفة لذلك الفصل.

أول ردّ على تقديم الأسد أوراق اعتماده كجزء من القرار بضرب «داعش» جاء من المندوب البريطاني في الأمم المتحدة مارك غرانت الذي أفهم مندوب الأسد بشّار الجعفري أن لا مكان لرئيسه في هذه «البوسطة» الإقليمية الدولية مهما تعربش على حوافيها، ثم عالجت الناطقة باسم الخارجية الأميركية ماري هارف الموضوع بوضوح أكبر عندما أكدت أن واشنطن ليست «على الموجة نفسها» مع الأسد الذي هو، في رأيها الحرفي «المسؤول» عن صعود «داعش» وغيره من تنظيمات إرهابية.

يدلّ ذلك على أمرين كبيرين. الأول أن «المجتمع الدولي» الذي أسقط الأسد من حساباته الوظيفية تبعاً لضمور قدرات هذا الأخير وتحطّمها بفعل الحرب، بدأ أولى خطواته باتجاه إسقاطه فعلياً بعد طول تردّد وميوعة وحسابات واعتبارات بعضها إسرائيلي وبعضها الآخر خاص بنظرية الاستنزاف المستدام لعناصر الإرهاب وتشكيلاته بكل أنواعها وهوياتها..

والثاني، أن أسطورة فرانكشتاين لا تليق إلا بـ«الدكتور» الأسد تحديداً: صنع الوحش وربّاه.. فأكله أو يكاد!

ظاهر الأمور ومنطقها يفيدان أن الحرب على «داعش» واحدة ولا تتجزأ، في الميدان كما في البنيان: خريطة انتشاره تفرض ترابط مسرح العمليات العسكرية. وشروط القضاء عليه تستدعي في موازاة العسكرة، تغييراً جوهرياً في البنى الخلفية والأمامية المتلقفة، والتي أشار مستر أوباما الى بعضها الأساسي في حديثه التفصيلي قبل يومين عن المكون السنّي في العراق وسوريا.

الفارق الجوهري المركزي بين البلدين هو أن التسوية ممكنة في العراق ومستحيلة في سوريا: يمكن (ويجري) العمل على إعادة صياغة المشهد السياسي العراقي (ومتمماته الاجتماعية الطائفية والمذهبية والعرقية) بنجاح معقول لأن مقوماته لا تزال في مكانها ولم تذهب بعيداً برغم ضراوة المعركة مع المالكي في مراحلها الأخيرة.. لكن الوضع في سوريا ليس كذلك أبداً: لا يوجد مشهد سياسي كي يُعاد تصليحه! ولا توجد مقومات يُعتدّ بها كي يجري اعتمادها لتركيب تسوية! لم يترك الأسد شيئاً قريباً أو بعيداً إلا وهشّمه وحطّمه! وسياسته العدمية لا تزال عنوان برقيات هلوسة توزّع حتى الآن على شاكلة «تحليلات إخبارية» لا تختلف في زبدتها عن خبرية «العظام وهي رميم»!

.. للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات ونصف السنة يمكن الافتراض، أن العدّ العكسي الفعلي لما تبقى من سلطة الأسد، قد بدأ.. ومكره أوباما لا بطل!