يتبيّن يوماً بعد يوم أنّ أسهم الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى إلى ارتفاع، في ضوء تصميم البعض على تكرار سيناريو تطيير النصاب مع كلّ جلسة انتخابية تحت ستار تعذّر التوافق على رئيس جمهورية جديد، فيما يتمسّك فريق 14 آذار بترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ويقترب تاريخ الخامس والعشرين من أيار موعد مغادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قصرَ بعبدا، كلّ ذلك يجري وسط استمرار انكفاء التدخّل الدولي والإقليمي المباشر على خطّ الاستحقاق، وغياب التسوية لإنجاحه، وارتفاع منسوب الحراك السياسي بين القوى السياسية في محاولة لكسرِ الجمود الرئاسي، فيما تقاطعَت المعلومات عند نتيجة أساسية للقاءات «المستقبل»-»التيار الوطني الحر» بأنّها مفتوحة ومستمرّة ولكن ما دون الرئاسة.
في انتظار ما ستحمله الأيام الفاصلة عن الجلسة الانتخابية الجديدة التي حدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعدها الاربعاء المقبل في 7 أيار بعد تطيير فريق 8 آذار نصاب الدورة الانتخابية الثانية امس، يبقى الانتظار والترقّب سِمة المرحلة الراهنة.
الحريري ـ الراعي
وفي هذه الأجواء، انشدّت الانظار الى باريس مجدداً، مع استقبال الرئيس سعد الحريري في دارته بباريس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في حضور مطران باريس للموارنة المونسنيور مارون ناصر الجميّل ومدير مكتب الحريري نادر الحريري ومدير مكتب الإعلام والبروتوكول في البطريركية المارونية وليد غيّاض. وقد عُقدت خلوة بين الحريري والراعي استمرّت ما يقارب الساعة، تناول البحث خلالها مجمل التطوّرات في لبنان، وخصوصاً ما يتعلق منها بالاستحقاق الرئاسي.
وخلال اللقاء، أكّد الحريري رفضه المطلق لحصول الفراغ في منصب الرئاسة الأولى، مشدّداً على ضرورة تضافر الجهود المطلوبة بين جميع اللبنانيين لإجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري. وأشار للبطريرك قائلاً: «إذا كان صحيحاً ما تؤكّده كلّ القوى السياسية من رفضها للفراغ وحرصها على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، فهذا يعني أن ينجز الاستحقاق الرئاسي، وأنّه بإمكان لبنان واللبنانيين تفادي الوقوع في الفراغ».
مصادر مُطّلعة
وقالت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» إنّ اللقاء شكّل محطة إضافية في المشاورات التي بدأها الحريري والراعي من روما قبل شهر ونصف الشهر، والتي خُصّصت للبحث في الإستحقاق الرئاسي.
وأوضحت أنّ الحريري وضع الراعي في حصيلة المشاورات التي أجراها مع باسيل، مؤكّداً أنّ أجواء الحوار ستبقى مفتوحة وأنّ الرهان على مواقف حاسمة لم تتوفّر مقوّماتها الى اليوم، بانتظار بعض المشاورات المستمرّة على أكثر من جبهة.
وأبلغَ الحريري الى الراعي أنّه سيعود قبل نهاية الأسبوع إلى الرياض التي سيزورها يومَي الأحد والإثنين المقبلين السفير الأميركي في بيروت دايفيد هيل فورَ الإنتهاء من جولة المشاورات التي يجريها في بيروت.
ومن المقرّر أن يلتقي هيل القيادة السعودية ويشارك في إجتماعات اللجنة المشتركة الاميركيةـ السعودية التي ستبحث في تنسيق المواقف من قضايا الشرق الأوسط، وتحديداً الأزمة اللبنانية، ما دام الإستحقاق الرئاسي مفتوحاً على شتّى الإحتمالات ويتقدّم على ما عداه من الملفّات، إضافةً إلى الوضع في سوريا.
المستقبل – عون
ويأتي لقاء الحريري ـ الراعي بعد أقلّ من 24 ساعة على لقاء الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل أمس الأوّل.
وعلمت «الجمهورية» أنّ الحريري أكّد لباسيل أنّ تيار «المستقبل» يهمّه أن يستمرّ الحوار مع «التيار الوطني الحر» وأن تتعزّز العلاقة بين الطرفين أكثر فأكثر، لا أن تتمحور فقط حول موضوع الإنتخابات الرئاسية.
لكنّ الحريري أبلغَ إلى باسيل أنّه لا يستطيع تأييد ترشيح رئيس تكتّل «الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون، وهو لم يقدّم مشروعاً سياسياً ليُتّفق عليه، في حين أنّ مواقف عون السياسية معروفة منذ سنوات، وهي لا تنسجم مع مواقف»المستقبل».
كذلك أكّد الحريري لباسيل أنّه لا يستطيع أن يؤيّد عون إذا لم يوافق حلفاؤه المسيحيّون على هذا التأييد.
الجميّل
وقد أجرى الحريري اتصالاً هاتفياً برئيس حزب الكتائب أمين الجميّل أطلعه فيه على أجواء لقائه مع باسيل والمواقف التي تراكمَت نتيجةً للمساعي المبذولة لإتمام الإستحقاق ضمن المهلة الدستورية.
الجلسة الانتخابية
وكان الحضور النيابي داخل قاعة مجلس النواب اقتصرَ على 75 نائباً، فيما يحتاج نصاب الانتخاب الى 86 نائباً، وحضرَ الجلسة 53 نائباً من نواب «المستقبل» و»الكتائب» و»القوات»، و9 نوّاب من «اللقاء الديموقراطي» و13 نائباً من كتلة «التنمية والتحرير»، فيما غاب عنها نوّاب تكتّل «التغيير والإصلاح» وكتلة» الوفاء للمقاومة» و»لبنان الحر الموحّد» و»البعث» و»القومي».
كذلك غاب كلّ من نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري وعضو كتلة «القوات اللبنانية» ستريدا جعجع بداعي السفر، إضافةً إلى نواب مستقلين، من بينهم الرئيس نجيب ميقاتي والنائبان محمد الصفدي وميشال المر.
لقاءات برّي
وقد سبق انعقاد الجلسة وتلا تأجيلها سلسلة لقاءات ومشاورات أجراها الرئيس بري الذي التقى تباعاً رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط ومعه الوزير وائل أبو فاعور بحضور الوزير علي حسن خليل، ثمّ رئيس الحكومة تمّام سلام، ورئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة، والنواب بطرس حرب وروبير غانم وجورج عدوان
جعجع
واعتبر رئيس حزب «القوات» سمير جعجع أنّ ما يجري هو 7 أيار بشكل آخر وأدوات مختلفة، مؤكّداً عدم الاستسلام لخطة الفريق الآخر، ومواجهة التعطيل بالاستمرار والإصرار على العودة للحياة الديموقراطية الحقّة. ورأى أنّ الحلّ يكمن في ان يختار الفريق الآخر مرشّحه والذهاب للانتخابات. وأكّد في مؤتمر صحافي عقدَه في معراب أنّ «نيّة المشترع بالنصاب هي حصول الجلسة الانتخابية لا تطييرها»، ورأى أنّ ما يجري ليس ديموقراطية، بل ثمّة فريق ليست لديه اكثرية يضع النواب امام خيارين: إمّا انتخاب من يريد وإمّا لا انتخابات. وقال: «لسنا مع استخدام المطالب العمّالية لمآرب سياسية بتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، مضيفاً: نحن أمام خطّة واضحة تقتضي إمّا القبول بمرشّح الفريق الآخر أو الذهاب الى الفراغ.
وتمنّى جعجع على الراعي أن يكون أميناً على ما رآه في اجتماعات بكركي، وقال: «نواجه خطة فعلية لتعطيل الاستحقاق الرئاسي، ولن نعود «لتعليب» رئيس في الغرف المغلقة، الرئيس الذي يناسب الجميع هو رئيس لا يناسب أحداً».
«حزب الله»
وفي هذه الأجواء، لم يرَ «حزب الله» فائدة من الجلسات الانتخابية ما دامت المعطيات هي ذاتها، معلناً أنّه هو من عرقلَ جلسة الإنتخاب من خلال عدم إكمال النصاب.
وقال نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم: «لا فائدة من انعقاد جلسات عدة لانتخاب رئيس الجمهورية ما لم يتمّ الاتفاق بين الأفرقاء السياسيين»، واعتبر أنّ الجلسة الأولى كانت كافية لإعطاء صورة واضحة بعدم توافر إمكانات لانتخاب رئيس من دون توافق.
مظلوم
ولفت النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم الى أنّ «أحداً لم يكن ينتظر أن يؤمَّن النصاب في الجلسة الثانية، فلكلّ فريق مرشّحه، ولا يملك أيّ منهم الأكثرية التي تؤهّله لإيصال مرشّحه».
وأكّد مظلوم لـ»الجمهورية» أنّ «الأمور باتت معروفة، وعندما يشعر أيّ من الفريقين أنّ مرشّح الخصم سيصل، سيعمد الى تعطيل جلسة الانتخاب»، موضحاً أنّ «تعهّد الأقطاب الموارنة في بكركي بتأمين النصاب حصل في الدورة الأولى، حيث حضر جميع النواب المسيحيين، لكنّهم لم يتنازلوا عمّا يعتبرونه حقّاً لهم بعدم الحضور، في الجلسة الثانية، لأنّهم يقولون إنّ المقاطعة جزءٌ من اللعبة الديموقراطية».
وعن تمنّي جعجع على البطريرك الراعي أن يكون أميناً لما سمعه ورآه في بكركي، دعا مظلوم «مختلف الأطراف المسيحية الى تسريع الاتفاق فيما بينهم من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية»، واصفاً ما يقومون به «بالتشاطر على بعضهم». ولفتَ إلى أنّ «مساعي بكركي مستمرّة، والوقت الحالي هو للتسوية والاتفاق»، نافياً أن «يكون الراعي قد طرح اسم الوزير السابق زياد بارود كمرشّح توافقيّ عندما زار الرئيس نبيه بري، لأنّ البطريرك أخذ قراراً بعدم الدخول في الأسماء».
سلام في بعبدا
إلى ذلك، عرضَ رئيس الجمهورية ميشال سليمان مع رئيس الحكومة تمّام سلام بعد ظهر أمس لأجواء الجلسة الانتخابية، ومصير سلّة التعيينات الجديدة التي كانت ستُطرح على جلسة مجلس الوزراء غداً الجمعة، والخلافات التي نشأت على أكثر من مستوى، ولا سيّما على مستوى التعيينات في وزارة الإقتصاد والمجلس الأعلى للجمارك والمديرية العامة لوزارة العدل بعد رفض مقترحات وزير العدل اشرف ريفي.
وعليه، تقرّر تأجيل البحث في التعيينات الى جلسة لاحقة وسط أجواء توحي بمعارضة حركة «أمل» و»حزب الله» لإجراء أيّ تعيين قبل نهاية العهد.
طاولة الحوار الإثنين
وأطلعَ سليمان سلام على الدعوة التي ينوي توجيهها لعقد اجتماع لهيئة الحوار الوطني عند الحادية عشرة قبل ظهر الإثنين المقبل في بعبدا، لاستكمال البحث في الإستراتيجية الدفاعية.
وعُلم أنّ الدعوات التذكيرية الى هذه الطاولة ستوجَّه اليوم وغداً الجمعة إلى الأقطاب والمعنيين بها، بمن فيهم مَن اعتذرَ عن الحضور في الإجتماع السابق، وهم ممثّلو كلّ من «حزب الله» وتيار «المردة» و»القوات» والنائب طلال أرسلان وممثّل الحزب القومي السوري الإجتماعي.
تعيينات المحافظين
وعلمَت «الجمهورية» أنّ لقاء سليمان ووزير الداخلية نهاد المشنوق عرضَ لتعيينات المحافظين، بعدما تأجّل تعيين محافظَي بيروت وجبل لبنان إثر فيتو مفاجئ وضعَه النائب ميشال عون على اسم محافظ بيروت القاضي زياد شبيب. كذلك تناولَ البحث المرسوم الخاص الذي يعدّه المشنوق لتعيين عدد من القائمّقامين في بعض الأقضية، ومنها جبيل والمتن وعاليه وكسروان والبترون، والتي يشغلها موظفون بالوكالة منذ سنوات، بحيث سيُثبَّت بعضُهم وسيُعيَّن آخرون جُدد.
إلى ذلك يستقبل سليمان غداً الجمعة السفراء اللبنانيين الذين يشاركون في مؤتمر «الديبلوماسية الفاعلة» الذي انطلق أمس في فندق فينيسيا، وسيؤكّد أمامهم على الثوابت اللبنانية والوطنية في سياسة لبنان الخارجية.
وقالت مصادر بعبدا لـ»الجمهورية» إنّ كلمة سليمان لن تتّخذ شكل خطاب، كالذي يطلقه سنوياً أمام السلك الديبلوماسي الخارجي، لكنّه سيرتجل كلمته مُركّزاً على أهمّية التزامات لبنان الدولية والعمل من أجل استكمال تنفيذ القرارات الدولية، ولا سيّما القرار 1701 الذي شكّل مِظلّة حمايةٍ مهمّة للبنان. كذلك سيؤكّد على أهمّية «إعلان بعبدا « والإصرار على اعتماد سياسة النأي بالنفس عمّا يجري في محيطنا العربي، ولا سيّما الأزمة السورية والدعوة الى حلّ سلميّ يحفظ وحدة أراضي سوريا، ويوقِف حمّام الدم فيها.