بينما يسيل الدم بغزارة في غزة على الحدود الشرقية لمصر، تجد القاهرة نفسها ايضا أمام فوضى عارمة على حدودها الشرقية مع ليبيا. النيران في المغرب لا تقل استعاراً عن النيران في المشرق، وتضع مصر بين نارين يفرضان عليها تحديات لا تحتمل التأجيل ولا التسويف.
المبادرة المصرية لوقف النار في القطاع لم تؤت أُكلها بعد. ولكن في النهاية سيتوقف العدوان بسيناريو أو بآخر. بيد ان وقف حمام الدم لن يوقف الانقسام الفلسطيني ولن يقرب الحل النهائي ولن يمنع التجاذبات الاقليمية على الساحة الفلسطينية.
واذا كانت مصر قادت المنطقة من بوابة القضية الفلسطينية في عهد عبد الناصر، فإن تخليها عن هذه القضية لاحقا كان بوابة خروجها من هذا الدور. وفي ظل الحرائق المشتعلة على امتداد المنطقة، صارت مصر اكثر ارتكاباً واكثر ضياعاً في تحديد البوصلة وبوابة الدخول الى المنطقة مجددا.
من اين تستعيد مصر دورها؟ أمن البوابة الشرقية الفلسطينية حيث اثبت العدوان المستمر تراجع دورها، أم من البوابة الغربية الليبية التي يراها البعض في القاهرة اشد خطراً على مصر؟
ليبيا الآن تبدو للقاهرة مسألة امن قومي ووحدة مصير. كل ما يجري فيها يمثل حالة جذب الزامية لمصر. انهيار الدولة في ليبيا يمثل كارثة لنظيرتها، وخزانها من السلاح غير الشرعي يمثل اخطارا كبيرة على كل الجيران. مصر مرغمة على السير شرقا على رغم الكلفة الباهظة التي يرتبها عليها مثل هذا التدخل الذي قد يكون تكراراً مأسوياً لتدخل عبد الناصر في اليمن.
ولا شك في ان اي استدارة مصرية نحو غربها سيكون مستقبلا على حساب دورها المشرقي وخصوصا في فلسطين، حيث ملأ الفراغ هذا المشرق بنفوذ قوى جديدة لم تكن حاضرة من قبل. فعدا الوجود الاسرائيلي الدائم، حضرت ايران بكل قوة وصارت اكثر اطلالا على الملفات الشرق الاوسطية برمتها وهي تملك حق النقض على طاولة ازماته الكثيرة. كذلك لا يمكن تغييب لاعب اقليمي كبير آخر هو تركيا التي تضطلع بأدوار خطيرة في اكثر من ساحة.
وهكذا، بعد نجاح مقولة الشرق الاوسط الكبير في ادخال ايران وتركيا بعد اسرائيل في نسيج المنطقة، تنضج مقولتا المشرق العربي والمغرب العربي. فبينما يغرق الاول في الصراع المذهبي على حساب الصراع العربي – الاسرائيلي، تغرق مصر في مستنقع مغربها القريب بعيداً من فلسطين. وليس مصادفة ان مراكز الابحاث الكبيرة في الغرب، التي تشارك في صنع السياسات الاستراتيجية للعالم، بدأت ايضاً تتحدث عن مغرب قائم بحد ذاته وعن مشرق مماثل، ولا يربطهما إلا كلمة لم يعد لها اي معنى: العربي!