IMLebanon

«العواصف» الحكومية تنحسر أمام المواقف التوافقية

 

مرت على حكومة الرئيس تمام سلام منذ تكليفه أكثر من سحابة، إحداها أعاقت تشكيلها لأشهر ثم أبصرت النور، وثانيها أثارت اللغط حول آلية عملها بعد وقوع الشغور الرئاسي الى أن تم الاتفاق على منهجية عمل الحكومة، وآخرها أثارت الاعتراض على تواصل وزير الخارجية جبران باسيل مع السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي على خلفية إجراء الاتصالات اللازمة مع الدول المعنية بملف النازحين( ومنهم النظام السوري لتوفير الظروف الملائمة لإقامة مخيمات آمنة للنازحين داخل سوريا أو في مناطق عازلة). لكن يبدو أن كل هذه السحب لن تتحول إلى «عواصف» تمر في سماء حكومة «المصلحة الوطنية»، وتؤدي إلى هز أركانها وتدفعها الى الشلل، على الرغم من وجود ملفات خلافية بين مكوّناتها ولعل أبرزها ملف تفرغ الاساتذة في الجامعة اللبنانية وملف النازحين، على غرار التباين الحاصل في مجلس النواب أو عدم الاتفاق المؤدي الى عدم التوصل الى إنتخاب رئيس حتى الآن.

على جدول مجلس الوزراء غداً والمكون من 119 بندا، أكثر من بند أساسي وموضوع خلافي في آن، أول هذه المواضيع خرق وزير الخارجية لسياسة النأي بالنفس التي تلتزمها الحكومة، والذي يمكن أن يكون حاضرا للنقاش كون مجلس الوزراء هو»المتنفس» الاساسي لكل الاطراف في البلد للتعبير عن رأيهم، لكن هذه الميزة لا تعني الجزم بإمكانية إثارة هذا الخرق على حد تعبير وزير الاتصالات بطرس حرب، الذي يشير «إلى أنه من غير المحسوم طرح هذا الموضوع، خصوصا أن هناك توجهاً عاماً لدى كل القوى السياسية في البلد بأن لا يتم فرط الحكومة، لكننا في الوقت نفسه لا نريد أن نفرط البلد بل نريد أن نحفظه».

يلفت وزير الاعلام رمزي جريج إلى «أن وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس عبّر عن وجهة نظر رئيس الحكومة تمام سلام، والعديد من الوزراء حول لقاء باسيل علي، وبالتالي يمكن مناقشة الموضوع في مجلس الوزراء من دون أن يكون بندا تفجيريا، فالسياسة الخارجية للحكومة منصوص عليها في البيان الوزاري، والذي يقضي بتحييد لبنان عن الصراعات القائمة وبالتالي يمكن لفت نظر باسيل الى هذا الامر».

يوافق الوزير محمد فنيش على»أن هناك توجها عاما لدى القوى السياسة ببقاء الحكومة، تعمل ضمن المساحة المتفق عليها وتأجيل الملفات الحكومية الخلافية»، ويقول «لا يمكن الجواب عما سيتم نقاشه داخل مجلس الوزراء حول لقاء باسيل علي، لكني أقول أن السفير السوري في لبنان هو ممثل دبلوماسي لبلاده في لبنان كباقي السفراء، وما قام به باسيل هو إجراءات محددة تجاه ملف معين، وأعتقد أن كل أطراف الحكومة لديهم الرغبة والإرادة بعدم هز الوضع الحكومي».

يؤيد وزير التربية إلياس بو صعب كلام فنيش، ويشير الى أنه «من الناحية القانونية لا يمكن لمجلس وزراء مساءلة وزير حول لقائه سفيراً، كون كل السفراء معتمدين في لبنان بشكل شرعي وهذا يعني أنه يحق لكل الوزراء إجراء لقاءات مع كل السفراء»، ويضيف «أستغرب أن يتم طرح هذا الموضوع في مجلس الوزراء».

والسؤال الذي يطرح هو ما الذي يبقي على الحكومة محافظة على الاستقرار في البلد، ويمنع تحول الغيوم في سمائها الى عواصف ورعود تطيح بها، طالما أنها مكونة من أطراف سياسية لديها رؤى متباينة حول العديد من الملفات الداخلية والخارجية؟

يجيب وزير البيئة محمد المشنوق أن «مجلس الوزراء هو مساحة للتعبير عن المواقف السياسية، ويمكن لأي وزير إبداء رأيه في أي موضوع، والسبب في إستمرار الحكومة هو السبب نفسه الذي أدى إلى تشكيلها، أي أن هناك قراراً سياسياً من القوى السياسية في البلد بضرورة الإنضواء تحت لواء الحكومة وعدم ترك البلد والتعاون لتجاوز المصاعب بما تقتضيه المصلحة الوطنية، وهذا الموقف لا يزال ساريا على الرغم من التباين بين الفرقاء حول ملفات معينة، لكنّ هناك تفاهماً على أن هذه الملفات الخلافية لا يمكن أن تسير إلا بالتوافق».

يوافق وزير الثقافة ريمون عريجي على وجهة نظر المشنوق، ويقول «هناك وعي لدى كل القوى السياسية بأن لا يمتد الانقسام السياسي الى مجلس الوزراء، ولذلك تم وضع منهجية عمل لتجنيبها الخلافات الحاصلة سواء في المجلس النيابي أو الملفات الاخرى».

ويتابع : «الهدف الاساسي للحكومة الحالية هو مواكبة الاجهزة الامنية في عملها، وتأمين الغطاء السياسي لها ما يعني تأمين الإستقرار في البلاد، فالوضع الامني من الاسباب الرئيسة التي أدت الى تشكيل الحكومة، بالاضافة إلى موضوع النازحين والوضع الاقتصادي والشغور الرئاسي، والآتي هو تعقيدات التمديد للمجلس النيابي أو الإتفاق على قانون إنتخابي جديد. هناك أمور مفصلية في البلد ولا يمكن زيادة الفراغ، لذلك تجهد كل القوى السياسية على تأمين الحد الادنى من التوافق ومعالجة كل ملف خلافي. فملف التفرغ مثلا لاقى إعتراضاً من وزراء تيار المستقبل، لذلك تم تأجيله ويعمل وزير التربية على تقريب وجهات النظر حتى يوافق عليه الجميع، وهذه القاعدة تسري على كل الملفات الخلافية، هناك أمور وملفات مهمة في البلد لكن الاهم هو بقاء الحكومة واستمرار عملها».

يؤيد حرب أن هناك رغبة من الجميع بأن لا ينهار البلد، ويقول « واجباتنا في هذه المرحلة الانتقالية الى حين إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة جديدة، ألا تتعطل مصالح الناس، ولذلك تقوم الحكومة بتدابير إستثنائية لتسيير هذه المرحلة، وأريد ان ألفت الى أن هناك قراراً سياسياً وليس دستورياً ولا نسجل سابقة دستورية في العمل الحكومي، وبالتالي سنحيد الملفات الخلافية في هذه المرحلة منعا لتعريض الحكومة لأي هزة، وفي حال لم يتم التوصل الى حلول للملفات الخلافية فلا بأس من توريثها الى الحكومة المقبلة فالاستقرار هوالاهم في المرحلة الراهنة «.

يشبه جريج الوضع الحكومي الحالي «بصحوة ضمير تنتاب الجميع لتجنيب البلاد الفراغ، وكي تبقى هناك مؤسسة في البلاد في ظل الفراغ الحاصل في المؤسسات الاخرى للإتفاق على الحد الادنى لتسيير شؤون الناس، وما يحصل في الملفات الخلافية، هو إننا نسير وفقا لسياسة «خطوة خطوة»، بمعنى إننا نقر ما نتفق عليه آخذين بالحسبان أن البلد يعيش حالة غير طبيعية بغياب رئيس الجمهورية، الذي هو ضابط الايقاع الذي يؤمن التوازن في البلد».

يعتبر بوصعب «أن التفكير الصحيح والمصلحة الوطنية يقتضيان من كل الفرقاء البقاء في الحكومة لتأمين الاستقرار، وكل شخص لديه حس وطني عليه البقاء في الحكومة في ظل الظروف التي تعيشها البلاد «.

و إذا كان ملف التفرغ في الجامعة اللبنانية من الملفات الخلافية، لكن يبدو انه سيصل الى خواتيمه السعيدة، على حد قول وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب، لافتا إلى أن إجتماعاً ضمه مع رئيس كتلة المستقبل الرئيس فؤاد السنيورة حيث تم عرض وجهات النظر حول هذا الموضوع والاتفاق على إعادة طرح الملف وفق صيغته التي طرحت في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء».

و يفسر المشنوق الإشكالية الحاصلة في هذا الملف بأنها تتركز على تعيين العمداء وليس على تفرغ الاساتذة، مشيرا الى ان الملفات الخلافية تخضع للنقاش المفتوح، فالوزراء المتحاورون داخل الحكومة هم ممثلون للقوى السياسية في البلد، والتحاور سيستمر الى حين الوصول الى حل متكامل».