عندما اختُطف المستوطنون الإسرائيليون الثلاثة، وبعدما قُتلوا هبَّتْ أقلام صحافية غربية، مؤمنة إيماناً «ساطعاً» وحضارياً بحقوق الإنسان وحق الشعوب بتقرير مصيرها، تندّد بهذا العمل «الإرهابي» الذي ارتكبه (كما يزعمون) فلسطينيون متطرفون أو غير متطرفين سواء بسواء. وعندما راح مجانين «شعب الله المختار» يسرقون ممتلكات الفلسطينيين، ويستوطنونها، ويعتدون على سكانها، وبلغت جريمة الاستيطان مبلغاً كبيراً، سكتت الأقلام الغربية من صحافية و»فلسفية» (والفلاسفة الجدد في فرنسا أسوأ ظاهرة فكرية منذ الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر). سكتت، هكذا. فإزاء استيطان أراضي الفلسطينيين، تنفيذاً لقرارات الحكومة الإسرائيلية، التزموا الصمت، لكي لا أقول إن بعضهم من «المثقفين» راح يتكلم أن «اليهود» يحققون حلم «الميعاد» على أرض فلسطين. (تلك التي قالوا فيها إن فلسطين أرض بلا شعب، وإن إسرائيل شعب بلا أرض). الفساد الفكري والأخلاقي والسياسي واحد بين هؤلاء.
وعندما اتخذت بعض الدول الأوروبية إجراءات اقتصادية ضد إسرائيل بسبب سياسة الاستيطان، عاد «الصوت» إلى هؤلاء المثقفين، وعادت «أزمة» الذنب والتكفير عما يسمى «الهولوكوست»، وراحوا يصرخون: أوروبا تعود إلى معاداة السامية، التطرف ضد «اليهود» في العالم، يهدد إسرائيل كياناً وشعباً. وقال بعضهم، إن الإجراءات الدولية بحق هذه الدولة «المصطفاة» إنما هو حصار لخنق «هذه الواحة الديموقراطية في الشرق!».
وكتب بعضهم من «شهود» الانهيار الفكري والثقافي في أوروبا الجانحة نحو «جنون» التطرف الديني والعنصري أن الإجراءات العقابية (وهي شكلية ونظرية) إنما هي مساواة «ديموقراطيي الاستيطان!»، و«الإرهابيين» الذين «تُصادَر» ممتلكاتهم، وتاريخهم وأرضهم وكل وطنهم.
أما بعد التطورات الميدانية التي تجلّت بشن حكومة نتنياهو «حرباً وحشية» شاملة على غزة والضفة، بالطيران والمدافع والبوارج الحربية،» طلعت علينا «أميركا الدكتور أوباما» ببيان «أثيري» يدين القصف الذي تتعرض له إسرائيل بالصواريخ الفلسطينية دفاعاً عما تبقى لهم من أرض. ووصفوا إطلاق الصواريخ على إسرائيل أنه «عمل إرهابي». إنه بيان رسمي. ولا ننسى أيضاً بيان الأمم المتحدة «مقبرة القرارات الدولية»، الذي يصب في هذه الخانة «السوداء». وإسرائيل ضحية الإرهاب، وضحاياها من الفلسطينيين (وقبلهم من اللبنانيين والسوريين والمصريين والأردنيين)، هم «الإرهاب» بعينه. والتطرف بعينه. تاريخ ينقلب رأساً على عقب، وحقائق تتدحرج إلى الهاوية.
ونتطلع حولنا، إلى العرب، (ضحايا أنظمتهم «الصهيونية»!) ولا نجد من يرفع صوتاً، أو يهتف باحتجاج، اللهم سوى كلام تنديدي تافه لا معنى له سوى «تصويت» تبريري، لخذلانهم. ونتطلع عن قرب ونجد أن بعض الأنظمة العربية مشغولة بقتل شعوبها، والمثالان الأبرزان: سوريا والعراق، وصولاً إلى أوصيائهما الإيرانيين، الذين يريدون أن يدمروا الكيانات العربية وشعوبها، تنفيذاً للمخططات الإسرائيلية! رائع! فمن يسعون بالمال والسلاح و«العقيدة» المزيفة، والدين (المصادَر)، والمذهبية، أن يبنوا استراتيجيتهم على تقسيم الأمة العربية، لا يمكن أن تبلغ حميتهم اللفظية إلى محاربة العدو، أو مساعدة الشعب الفلسطيني في محنته التاريخية المزمنة. وهنا يخطر على بالنا وبلبالنا، حزب إيران في لبنان، حزب المقاومة بلا مقاومة والممانعة بلا ممانعة، عفواً أقصد «المقاومة» الإيرانية في لبنان، التي، وتحت إمرة سليماني (يرفض مرجعية الدولة اللبنانية وتأتمر بمرجعية إيران: يا للسيادة ويا للوطنية!). فهذا الحزب الكارثة، يقتل الشعب السوري، ويحتل بعض بلداته وحتى مدنه، لأن إسرائيل في نظره الآن ليست أولوية. الجولان على مرمى حجر من «مقاتلي» حزب الله، (وميليشيات إيران)، لكن يسدل الحزب «حجاباً» صفيقاً على عينيه. فالجولان المهوّد سيأتي يوم تحريره، وحشره ونشره، (هناك مقامات مقدسة في الجولان! حتى لو كانت موجودة، فالحزب مشغول بالمقامات المقدسة فقط في سوريا والعراق، وربما في اليمن مع الحوثيين). وأروع ما أظهره حزب سليماني في لبنان أنه نظم عراضة مسلحة في البقاع الغربي. ففي الوقت التي تنهال إسرائيل بأسلحتها الفتاكة على غزة، وتدمر منازلها بوحشية مَنْ اختاره الله شعباً له، ها هو الحزب يحشد استعراضاً «عسكرياً» في شوارع المدن البقاعية وكأنه يشارك في ذلك مشاركة فعّالة في «مقاومة» الاحتلال الصهيوني وجرائمه ومستوطنيه اللصوص والزعران في غزة. لكن هناك من يقول (ونحن نُصدقه) أن عراضة الحزب في البقاع الشمالي ليست سوى تحويل الأنظار عن العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة. وأكثر وكما قال السيد صبحي الطفيلي (الأمين العام السابق لحزب الله) أن «حزب الله يخدم إسرائيل!».. عراضة عسكرية تافهة وصبيانية تظنها مواكب سيارة لمشجعي فرق المونديال… لكنها تنويع على ممارسة الحزب.
عراضة «إرهابية» بَريّة، تبث رسائل داخلية إلى خصوم الحزب في لبنان: «إياكم ألا تعترفوا بقوتنا وبإيراننا، فسيكون مصيركم مصير الفلسطينيين في غزة. إياكم فإسرائيل الإيرانية، ونحن جنودها، لن نتردد في ضربكم. فاتخذوا العبرة مما يجري في إسرائيل. وكما تقول حليفتنا العبرية للشعب الفلسطيني بأننا القوة العسكرية الوحشية الحاسمة، فإن الحزب، وبعراضاته (واغتيالاته وحروبه السابقة على الشعب اللبناني) يكرر القول مجازاً، أي بلغة مرتزقته في البقاع الغربي!
ولفتتنا بعض عناوين الصحف الممانعة: واحدة بمانشيت «داعش تهدد باجتياح لبنان»، وثانية تستنكر استخدام إسرائيل 400 طن من المتفجرات قصفت بها غزة! العنوان الأول هو «عراضة» إعلامية أيضاً لا تختلف عن العراضة العسكرية لحزب سليماني في لبنان، تحاول بهذا التخويف أن تحرف الأنظار عن جرائم العدو الصهيوني في غزة! أما العنوان الثاني الذي حدد أطنان المتفجرات الإسرائيلية التي سقطت على الشعب الفلسطيني، فقد تناسى «أصحابه» أرقام أطنان المتفجرات التي ألقاها نظامهم المذهبي الممانع على الثوار والمدنيين السوريين. يغطي تواطؤاته مع الجرائم البعثية باستنكاره البربرية الإسرائيلية. فالشعب السوري في نظرهم (20 مليوناً) كله إرهابيون. ويسمّون الثوار «مسلحين» ويخلطون بين أهل الثورة السورية و«داعش» (ألم يفبرك النظام السوري شاكر العبسي، وأبو عدس، والحجاج الأستراليين). 400 طن صهيونية على غزة مفهوم: فإسرائيل هي العدو الاستعماري والاستيطاني والمغتصب والبربري والعنصري (الديني)، ولا يفاجئنا عدو بهذا العنف والجنون. هنا يستنكرون (ونحن معهم! معهم؟ في هذا الموقف فقط)، وفي سوريا والعراق يهللون لانتصارات حزب سليماني لقتله الشعب السوري وذهابه إلى أرض عربية بات يعتبرها أرضاً محتلة من إيران! وما الفارق بين تواطؤ هذه المنابر «الإعلامية» عندما تسكت على تصريحات مسؤولين إيرانيين بأن سوريا ولبنان والعراق ولايات فارسية! إيران تحتل الأراضي العربية (نتذكر الجزر العربية الثلاث) تحت غطاء «مذهبي»، وإسرائيل تمعن في سياستها الاستيطانية (الاحتلالية) تحت غطاء مذهبي: من إيران الكبرى إلى إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات!
أما حزب إحراق التلفزيونات والجرائد، حزب «جماهيرية إيران في الضاحية والبقاع»، فقد فضّل تعويضاً عن المشاركة (كمقاوم: العوذ بالله) مع الشعب الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي في غزة، إلى «عراضة» كرتونية من مرتزقة لتهديد الشعب اللبناني: هناك تزامن بين هذه العراضة «الإرهابية» وبين «القبة الحديد» الإسرائيلية. أكثر: هدد جاسوس إيران في العراق نوري المالكي أربيل الكردية واتهم الجميع فيها بإيواء «البعث» (وأخيراً اعترفوا أن هناك غير داعش في العراق: البعث) وداعش (هم فبركوها بالتواطؤ مع الأميركان)، والإرهابيين! بل أكثر: هددت إيران الأكراد بالويل والثبور إذا استمروا خارج سيطرتها! دولة غريبة تهدد شعباً آخر. التجربة الإيرانية في سوريا: قتل الشعب السوري وفي العراق. تنتقل إلى أربيل، وربما غداً إلى لبنان (لتعميق وجودها) والبحرين (هددت البحرين سابقاً)، وكل الخليج. فأي إسرائيل «جديدة» هي إيران بسحنة «مذهبية»، توزع التهديدات على الشعوب العربية، وتكسر الحدود بينها ليسهل عليها اختراقها. وأي اختلاف بين طموح إيران الاستيطاني في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وبين السياسة الإسرائيلية الاستيطانية. الفارق أن إسرائيل تعلن عداءَها للعرب والمسلمين والمسيحيين من زاوية أنها «دولة يهودية» (دينية)، وإيران بمجاز مماثل، تعلن تأييدها للقضايا العربية والمقاومة لتوسع «دولتها» الشيعية (الفارسية: أقصد الشيعية الزرداشتية) التي لا علاقة لها بشيعية جبل عامل الوطنية والعربية واللبنانية. إسرائيل تقتل وتسجن من يقاومها، ومن يرفع الصوت ضدها، وإيران قمعت شعبها بالنار والحديد، ونظمت عمليات اغتيال لمعارضيها في إيران ولبنان والعراق! (عملة واحدة لوجهين متشابهين حتى التماهي). إسرائيل تكره العرب والعِرق العربي وقد وصف بعض قياداتها العرب بـ«الجرذان». وإيران الفارسية (تكره العرب والعِرق العربي، بذهنية عنصرية تعود إلى تواريخ سابقة عندما أذلّها العرب، ومن ثم عندما هزمها صدام حسين. إسرائيل يحكمها حالياً المتطرفون الدينيون، وإيران مثلها على رأس جمهوريتها، وفي سراياها، وعسكرها، وفيالقها (القدس! وحزب الله…) وحرسها الثوري (الفاسد والمجرم) متطرفون وإرهابيون. دولة يهودية في إسرائيل لا تخدم سوى دولة شيعية في إيران، أو في العراق. الأولى تبرر الثانية، والثانية تبرر الأولى في لقاء اهداف مشتركة لتطويق العالم العربي بهلال صهيوني فارسي! إسرائيل سعت وتسعى إلى تقسيم الأمة العربية إلى «كيانات» انفصالية دينية عنصرية لتكون لها الهيمنة، ورديفها إسرائيل ترفع هذه الأجندة بكل وقاحة: ليصفق لها «ممانعو» الإعلام، والأحزاب. إذاً، ما يجري من بربرية على يد نتنياهو، هذا القاتل الشاروني المحترف، يتكرر مع خامنئي في سوريا والعراق. تهجير ملايين السوريين بالإرهاب البعثي الإيراني، وقتل أكثر من 200 ألف سوري، وتدمير البنى التحتية بالطيران والمدافع… والمرتزقة وميليشيات الحزب!
على هذا الأساس لا تجد إيران أي غضاضة في ما يرتكبه الكيان الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، لأنها دائماً تفيد من المدرسة الصهيونية، لكي تمارس أدواتها على شعبها وعلى العرب… وصولاً إلى الأكراد. أكثر: إن كل ما نسمع من جعجعة واستنكارات من الممانعين ليست سوى «غبار» يغطي تخاذلهم، وجبنهم، عن مقاومة العدو الصهيوني، في الجولان كما في لبنان!
فيا أيها الشعب الفلسطيني، أنت وحيد، وحيد جداً في مقارعة هذا الوحش الألفي الطالع من كهوف الماضي، أيها الشعب الفلسطيني أنت أكثر من وحيد في بطولاتك، وفي مقاوماتك… وحيد وكل العالم ضدك: أميركا وأوروبا وإيران والنظام السوري، ونوري المالكي…
وحدك؟ نعم! لكن مواجهتك الوطنية النبيلة السيادية، المسلحة والجماعية، لن تسمح لوحوش إسرائيل ولا وحوش بني فارس، ولا وحوش «أميركا» بالانتصار عليك!
أنت أيها الشعب الفلسطيني العظيم، في أعلى نقطة من نقاط المواجهة والصمود والدفاع عن تاريخك وأرضك!
فالمقاومة الآن عندك وليس في لبنان والعراق!