بين المعالجة القضائية والسياسية لحادثة ساحة ساسين، وسط تفهم الوزير جبران باسيل لتدبير وزير العدل، ودعوته إلى الفصل بين «داعش» والإسلام، مقابل تشديد الوزير ريفي على الحرص على تفويت الفرصة على المصطادين في المياه العكرة، مشددا على حماية المسيحيين وضبط تفلت بعض الإسلاميين المتطرفين، وحرق شبان في طرابلس من مؤيدي «جبهة النصرة» الصلبان، تواصلت المعالجات الشديدة التكتم في ملف الاسرى الامنيين والعسكريين، مع بروز بريق امل تمثل في نجاح الشيخ مصطفى الحجيري، الذي نال ثناء وزير الداخلية قبيل ساعات، في اطلاق سراح 4 جنود من الجيش وعنصر من قوى الامن الداخلي كانوا محتجزين لدى جبهة النصرة، في تطور اثار اكثر من تساؤل حول قدرة الجهة الوسيطة التي نجحت في تحقيق هذه الخطوة، وطبيعة الوساطة التي لا بد ان تكون الحكومة اللبنانية طرفها الاخر بمعنى هل بدأ تنفيذ اتفاق ما، كان اطلاق الاسرى الخمسة طليعته؟
فالأسبوع الذي اقفل على أزمتين، تشير كل المعطيات إلى استمرار التأزم في شأنهما رغم المؤشرات «الإيجابية». الأزمة الأولى قضية العسكريين المخطوفين التي مازالت تراوح مكانها، ما دفع بأهاليهم إلى تلبية نداء ابنائهم والتحرك على الأرض ملوحين بمزيد من التصعيد، علما ان قنوات الاتصال بين المسؤولين اللبنانيين وبين المسلحين مازالت مفقودة أو على الأقل غير ناضجة، والأزمة الثانية المرتبطة ارتباطا مباشرا بالأولى وهي أزمة حرق الراية والصلبان.
اياً يكن، فمع افراج «جبهة النصرة» عن العسكريين الخمسة، يكون عدد الأسرى المتبقي لدى هذا التنظيم، 13 عنصراً من قوى أمن الداخلي احتجزهم في بداية معركة عرسال. أما «داعش» فتأسر 10 عسكريين، اذا ما صح خبر استشهاد الجندي علي السيد الذي لم تؤكده المؤسسة العسكرية بعد. يذكر ان قائد الجيش العماد جان قهوجي كان قد أعلن ان المؤسسة العسكرية لديها في قيودها 20 مفقوداً، فيما اشارت مصادر اسلامية الى ان هناك 4 عسكريين مفقودون. يذكر ان الشيخ مصطفى الحجيري اعلن ان العسكريين الاربعة المطلق سراحهم كانوا في عداد المفقودين.
وفيما اشارت المعلومات الى ان سبب اختيار «داعش» للجندي علي الحاج حسن للظهور في فيديو وتوجيه رسالة الى اهله، يعود الى عدم ظهور الاخير في الفيديو الذي نشره التنظيم لتسعة عسكريين لم يكن الحاج حسن من بينهم، الامر الذي دفع الوسطاء الى الطلب من «داعش» تقديم الدليل على ان الاسير على قيد الحياة، تضاربت المعلومات حول مصير العسكري في الجيش اللبناني علي السيّد، بين التاكيد والنفي. يستمر اللغز المحيط بقضيته، مع كشف مصادر عسكرية أن الاخير، لم يكن بين العسكريّين المخطوفين أثناء اندلاع المعارك في عرسال ولم يظهر في تسجيلات فيديو المخطوفين ولم يرد اسمه في اللائحة التي تم تسريبها وتضمنت أسماء المخطوفين. كان فر من الجيش، وعبر عن ندمه على خطوته وظلّ على تواصل مع خاله، المعروف باسم «أبو طلال»، الذي ينتمي الى هيئة علماء المسلمين وعمد الى تزويده بمعلومات عن العسكريّين المخطوفين فكُشف أمره، ما دفع بلواء «فجر الاسلام»، الى تصفيته في حال صح فعلاً أن الصور التي تمّ تداولها غير مركبة. وتعيد المصادر تريث الجيش في إصدار بيانٍ رسمي توضيحي الى ما سبق من وقائع، حيث أن إصدار نعي بالعسكري المقتول يلزمه وصفه بـ«الشهيد»، في حين أنّه فر من الجيش قبل وفاته.
ورغم كشف وزير الداخلية عن وجود أكثر من جهة تعمل لاطلاق سراحهم، مرتئيا تغيير قواعد اللعبة وبالتالي الاشتباك في الداخل ومع المسلحين، ملوحا بورقة النازحين. فلبنان الذي يحاول بهذه المعادلة تحقيق توازن مع الخاطفين في اطار السعي إلى فرملة تهديداتهم بتصفية المزيد من العسكريين، استبعدت مصادر سياسية ان تكون «داعش» ضنينة بالنازحين في الاساس، كما ان اي مناخ يعزز الحساسية الداخلية تجاه اللاجئين يمكن ان يدفع ثمنه لبنان ولا سيما في ظل الخشية من وقوع صِدامات وحصول انفجار قد لا تُعرف تداعياته المحلية والدولية، لكنه سيكون كبيراً بعدما تجاوز عدد النازحين المسجلين مليوناً ومئتي الف. تبعاً لذلك، يبقى الرهان على نجاح رئاسة الحكومة في تحريك قنوات اتصال خارجية وتحديداً عبر قطر وتركيا في محاولة لايجاد مخرج لهذا الملف، رغم اشارة مصدر معني بالمفاوضات إن هناك اتصالات جارية مع «جبهة النصرة»، لكن المشكلة أنه ليست هناك صلات مع جماعة «داعش»، في ظل تقديرات بأن المسؤولين اللبنانيين يتجهون الى القبول بمبدأ المبادلة بموقوفين في سجن رومية، رغم حاجة الأمر الى قوننة ووضع معايير محددة.
استنتاج ترفضه مصادر قيادية في قوى 8 اذار جملة ونفصيلا، مطالبة قيادة الجيش بتنفيذ عملية عسكرية لتحرير الاسرى، كل ظروفها وإمكاناتها متوافرة، معتبرة ان رئاسة الجمهورية يجب ألا تكون عائقاً امام كرامة المؤسسة والأمن القومي اللبناني، خصوصاً ان العماد جان قهوجي لم يدخل اي معركة حقيقية منذ توليه القيادة وحتى اليوم، مشددة على ان التفاوض والاستجابة لمطالب الارهابيين أمر غير مقبول، لأن من شأنه ان يفتح الباب امام عمليات مماثلة جديدة والخضوع لمزيد من الابتزاز وفرض معادلات تقوم على إخضاع الدولة لمطالب الإرهابيين، موضحة ان هذا الملف يعالج امنياً وعسكرياً وليس سياسياً، خصوصاً ان مطلب الخاطفين قديم جداً وليس جديداً، لافتة الى ان هيئة العلماء المسلمين تفاوض الدولة من موقع قوة لأن خلفها تقبع المجموعات المسلحة، كاشفة انه في حال اتخاذ الجيش القرار بالدخول الى عرسال ستكون خسارة المسلحين مدوية، الا ان القرار السياسي لم يتخذ بذلك ولم تُعتمد اي اجراءات لمحاصرة المسلحين.
في الجنوب، شعارات على الجدران مسيئة للاسد في صور ومسيرة حاشدة داعمة لداعش في عين الحلوة حيث احرق علما لبنان وحزب الله .في طرابلس حرق للصلبان، وشعارات «الدولة الاسلامية قادمة» على جدران كنيسة مار ميخائيل في القبة، انتقاما لحرق راية «داعش» في ساحة ساسين، التي تبين ان تاريخ الصور يعود الى 6 آب خلال مظاهرة «جيش وشعب»، من قبل نفس المجموعة التي علقت المشانق للنواب الثلاث. في البقاع تغريدة للواء احرار الصليبيين عبر تويتر تعلن ان حرق الاعلام لا يفيد ابدا لان الوقت الآن للسلاح، وسط معلومات عن ان جبهة النصرة كانت تنوي اطلاق العسكريين المسيحيين الا ان احراق راية التوحيد حال دون ذلك، وتهديد الفصائل باعدام الجنود الشيعة في حال مشاركة حزب الله في معركة تحرير القلمون.
انها رياح حرب طائفية جديدة تهب من الشرق، يبدو ان المسيحيين قرروا حشر انفسهم فيها، فيما فضل الدروز النأي بأنفسهم، وسط عشرات الاسئلة عن الصدف والتوقيت والتزامن بين الاحداث والجهات التي تفتعلها. فماذا تنتظر الدولة للكشف عن مشغل لواء احرار الصليبيين؟ ومن الجهة التي حركت مسألة ساحة ساسين بعد شهر من وقوعها؟ ومئات الاسئلة الاخرى التي ستجد اجاباتها في الاحداث القادمة.