لا الأربعاء ولا الخميس، فلا نصاب ولا انتخاب ولا رئيس، مع نواب انتخبوا أنفسهم بالتمديد إستخفافاً بوكالة إرادة الشعب، فنصَّبوا أنفسهم ملوكاً عليه بأمْرٍ من إله وَثَني.
النواب عندنا ملوك وملائكة وفلاسفة.
إنهم تماماً كفلاسفة اليونان الذين كانوا قبل ظهور المسيحية يفتَّشون عن الإله المجهول، حتى جاء مار بولس الرسول مبشِّراً بأن الإله المجهول أصبح معلوماً.
ولكن فلاسفة المجلس النيابي عندنا، بالرغم من بشارة مار بشارة بطرس الرسول حيال مواصفات الرئيس، فلا يزال المعلوم عندهم مجهولاً، ومع الفعل المجهول يصبح الفاعل مجهولاً أيضاً، وتصبح «المسؤولية التاريخية التي حمّلها رسول بكركي للساعين الى الفراغ والمتسبِّبين به» معلَّقة بين «سلطة تفسد الرجال وأغبياء يفسدون السلطة» على حد قول: برنارد شو.
الفريق الذكي غير المسيحي وغير الماروني تحديداً، استطاع بشيء من حنكة الدهاء مقابل خفّة الغباء أن يُظْهر الترشُّح الماروني المعلن أو المضمر أو المتربِّص، على أنَه السبب في تعطيل النصاب والمتسبّب بالفراغ الرئاسي، وفي تمويه فاضح للأسباب الحقيقية راح يروّج بطوباوية مزيّفة أنّ رأس الدولة سيكون هذه المرة صناعة لبنانية خالصة على شاكلة التمثال البرونزي، ومن أعلى الرأس حتى أخمص القدمين.
ومع احترامنا لهذه الروح الملائكية السائدة تحت قبة البرلمان، نرطّب أذهان السادة النواب بأنهم، هم نتاج قانون مصنوع في الخارج، والمصنوع لا يصبح صانعاً، ولا أدري ما إذا كان يجوز لنا في هذا المجال التشبّه بالمثل اللاَّتيني القائل: «قد يكون هناك شيوخ من الصالحين، أما مجلس الشيوخ فهو مجلس سيء».
الخوف كل الخوف من أن تكون عملية استيراد النصاب الإنتخابي خاضعة لمعاملات جمركية متعّمدة تؤول الى إطالة عمر الفراغ وصولاً الى موعد الإنتخابات النيابية في تشرين، فنجد أنفسنا مكبّلين أمام أحد خيارين: إِما انتخاب النواب على أساس القانون الحالي ضمن لوائح شيوخ مجلس الشيوخ، وهذا نوع من التمديد المضمر، واما أن يكون التمديد فضيحة ديمقراطية جديدة تجعل من النواب ملوكاً متوَّجين ومن بعدهم الطوفان.
ولكن مبدأ الديمقراطية الأساسي يقوم على انتخاب مجلس النواب بموجب قانون عادل وعبر شعار الديمقراطية القائل: «بحكم الشعب بواسطة الشعب»، فيما نحن نزفُّ الى العالمين ديمقراطية جديدة إسمها الديمقراطية «التمديدية»، وهكذا يصبح «القانون أنْفاً من الشمع» كما يقول مثلٌ تشيكي.
غبطة البطريرك الراعي يتخوَّف من أن يُلغي الفراغ الرئاسي المكوّن المسيحي الأساسي في هذا الوطن، مع أن هذا الفراغ يؤدي الى إلغاء المظلة المعنوية الواقية للمكونات المسيحية المشرقية فيتحول الإستهداف التكفيري لها الى إبادة كاملة من الجذور.
وهذا الفراغ لو يعلمون، يؤول حكماً الى تسعير الفتنة السنيّة – الشيعية ولم تخمد لها نارٌ بعد، فوق الرماد وتحت الرماد.
إذاً… تعَّقلوا واملأوا الفراغ برئيس للجمهورية، تُنْقذوا ثلاثية مذهَّبة هي أساس لبنان، حتى إذا لم يكن رئيساً لا رائحة له، فقد يظل أفضل من رئيس تلوَّثتْ رائحتهُ.