لا شك في ان غياب ربان السفينة يترك فراغاً معنوياً وحسياً، لكن هذا الغياب في وجود حكومة تحوز الثقة لا يعني ان البلاد سائرة نحو الخراب.
للتذكير نشير الى ان هذه الحكومة استطاعت خلال وقت قصير السير بعيداً في اعادة تفعيل المؤسسات، وعلى رغم عدم إلمامي بالشؤون الادارية البحتة اعتبر تكريس محافظَين فاعلَين يتمتعان بالأهلية والنزاهة للمساعدة على اعادة احياء المجتمع المدني في طرابلس وبيروت أمراً بالغ الاهمية.
وانجازات الحكومة ارتبطت بنشاط فريق وزاري بقيادة رئيس وزراء واثق من نفسه لانه صاحب تاريخ عريق في بيروت، والوزراء المتجلّون تمثلوا بوائل أبو فاعور في وزارة الصحة، ونهاد المشنوق المجتهد سياسياً والمتأني بطبعه في وزارة الداخلية، والذي ساهم في ضبط التفجيرات كما أعطى حقوق النساء دفعاً الى الامام، وبطرس حرب الذي جعل وزارة الاتصالات خلية نحل، واللواء اشرف ريفي الذي كرس فاعلية الادارة في أروقة العدلية، ورشيد درباس وزير الشؤون الاجتماعية الذي أوضح مفاعيل واخطار النزوح السوري إلى لبنان امنياً واقتصادياً. وكانت الحصيلة تسمية 45 مديراً عاماً بينهم باقة من الاناث المتميزات بمثابرتهن ونشاطهن.
ان لبنان يحتاج في المقام الاول والاهم الى استعادة النمو وتحريك الاستثمار واسترداد الاعتبار. وفصل الصيف ان شهد عودة الزوار العرب من الخليج، فالعراقيون والاردنيون شكلوا النسبة الكبرى من الزوار حتى تاريخه، سوف يحقق نمواً يراوح بين 4 و5 في المئة، الامر الذي يعني انه، اذا استجر الاستثمار في الفصل الرابع، قد نحقق نمواً سنوياً بمعدل 3 – 3,5 في المئة، وتالياً نكسر حلقة الانزلاق نحو الانكماش المستمر الذي قد يتحول ازمة مستفحلة.
كيف لنا ان نحقق اهداف النمو، ومن اين تتوافر الامكانات المالية؟ بالتأكيد هنالك امكانات حصيلة تراكم موارد مدى سنوات لم يرافقها انفاق استتثماري في البنية التحتية وتوفير الطمأنينة للمواطنين. والامر الذي أتمناه ألاّ يسارع النقابيون الى اعتبار الموارد المتدرجة ادناه، من حقهم وينبغي ان تخصص لهم. ونذكر بأن بعض النقابيين في خطاباتهم الحماسية خلطوا بين المليون والمليار وكأن لا فارق بينهما.
مؤسسة ضمان الودائع، التي توافرت مواردها من رسم على الودائع استوفي من المصارف، وهي ملك الدولة والمصارف، علماً بأن الدولة لم تدفع اشتراكاتها، تحوز نقداً 1,4 مليار دولار، كما تملك عقارات ربما فاقت قيمتها هذا الرقم، ومن الافضل بكثير بدل زيادة الضرائب على الفوائد، والتي تصيب صغار المودعين وكبارهم وتؤخر مركز لبنان التنافسي، وبدل فرض ضريبتين على مصدر واحد ناتج من توظيفات المصارف من رؤوس أموالها في سندات الخزينة، تحويل ملكية الدولة في مؤسسة ضمان الودائع الى المصارف في مقابل 1,4 مليار دولار، فتحمل المصارف عبئاً، انما تساويه زيادة في الموجودات الحسية للمصارف.
بلدية بيروت هي ايضا تحوز 1,2 مليار دولار ومداخيلها السنوية تفوق نفقاتها، الامر الذي يعني تراكم الاموال نتيجة تحقق الفوائد على الاموال المتوافرة، وفائض الرسوم المحصلة على الايجارات.
وبيروت في حاجة الى ترفيع تجهيزاتها البنيوية والى تحسين خدمات النقل، ولا نحصر ذلك باستعمال الباصات الصغيرة، فالوقت حان لادخال خدمات الحافلات الكهربائية، التي يمكن تشييد أعمدة لمسارها فوق الطرق، كما في سيدني، المدينة التي تصنف دورياً بأنها من أفضل مدن العالم للسكن والتنقل.
كذلك تحتاج بيروت الى تلوين نسيجها المدني على نحو يساهم في تآلف المواطنين وتعاونهم وتنشيط اقتصاد المدينة، وتحتاج الى العناية بالأبنية المتقادمة ومعالجة مخاطر الانهيارات، كما تحتاج الى فريق الحراس، والى الارصفة والحدائق وقنوات التصريف الخ.
ومن شأن تحريك ارصدة مؤسسة ضمان الودائع، ودفع بلدية بيروت الى انجاز المشاريع بالتعاون مع محافظ يتمتع بكل المؤهلات العلمية والاخلاقية، ان يؤدي بالتأكيد الى ارتفاع معدل الدخل القومي سنة 2015 بنسبة 3 في المئة على الاقل.
فاذا استطعنا عبر ترسيخ الامن والامان استعادة موقع بيروت في مخيلة الزوار العرب، واستقطبنا استثمارات مجدية، يمكننا ان نأمل في تسلق سلم النمو بعد الانحسار في الآمال والتوقعات والانجازات.
ولا شك في ان مشاريع انجاز المصافي، ومعدات استيراد الغاز السائل لتغذية محطات الكهرباء، وربما التعاقد على انجاز محطات تكفي حاجات البلد لعشر سنين وتغذى بالغاز، امور تنقل لبنان الى مرحلة متقدمة، فيستعيد البلد رونقه وجاذبيته لشبابه وشاباته.
وحينئذ يكون انجاز عقود البحث والتنقيب عن الغاز والنفط بمثابة الوعد بمستقبل افضل بعد 7 – 8 سنوات والهم المخيم على التوقعات اليوم ألا نتحرك في مجالات كتلك المشار اليها اعلاه، بحيث نختنق من تعاظم الديون قبل تحقق نتائج انتاج الغاز والنفط.
المستقبل غير مظلم اذا كان لدينا حكم فاعل ومتجرد، وحتى تاريخه نرى بوارق أمل من عمل هذه الحكومة.