لم تنفع تطمينات رئيس الوزراء تمام سلام وقائد الجيش العماد جان قهوجي في زرع السكينة في نفوس اللبنانيين والسياح والقادمين الى لبنان في مؤتمرات ولقاءات. فالذي حصل مع وفد المشاركين في مؤتمر قومي عربي، في زمن “الداعشية” نقيض القومية والعروبة، لا يبشر بالخير. واذا كان أمننا فوق كل اعتبار، فان العمل الامني يجب ألا يتخطى حدود القانون والمعقول ضمن احترام كرامات الناس مقيمين ووافدين. فالمشاهد التي ظهر فيها المقبوض عليهم، قبل اطلاقهم، مهينة ومذلّة ولا تشجع السياح على القدوم الينا، وخصوصاً اذا كانوا من دول فقيرة لا توفر لهم حكوماتهم المتابعة اللازمة، أو الحصانة.
ثم ان التطمينات لم تمنع سفارة فرنسا، ثم سفارة الولايات المتحدة، وبعدها سفارة دولة الامارات العربية المتحدة، من تحذير رعاياها المقيمين في لبنان، ودعوة الاخيرة مواطنيها لعدم السفر اليه.
الواقع انه لا يمكن رئيس الوزراء او قادة الاجهزة الامنية اعلان العجز عن المتابعة الدقيقة، بل عليهم تأكيد قيامهم بواجبهم في التصدي لكل انواع الارهاب. لكن الامور تزداد تعقيداً في المنطقة، من العراق الى سوريا، وربما الى لبنان، ولا يمكن تالياً الاكتفاء بعبارات التطمين وتأكيد استتباب الامن، ولا بدّ من مبادرات على الصعيدين السياسي والامني. ومن هذه المبادرات التنسيق الامني الجيد والوثيق بين الاجهزة لا تنافسها على مَن يكون الافضل دعائيا وتسابقها اعلامياً، وتدريب رجالها على الاستجابة السريعة أكثر من زيادة عديدها.
أما أولى المبادرات وأكثرها إلحاحاً فتخرج من اطار سلام وقهوجي وغيرهما، لتصب في داخل الساحة المارونية المقصّرة عن التوافق على مرشح لرئاسة الجمهورية. فالقصر الخالي يجعل الجمهورية مشلّعة وبلا رأس، كما يجعل عمل المؤسسات معقداً ومشلولاً أحياناً كثيرة. والمسؤول قبل أي تدخل خارجي الموارنة أنفسهم، فلو أمكنهم ان يتفقوا في بكركي على مرشح وحيد، لما أمكن أحداً من مكونات البلد الاعتراض على الشخصية المختارة، سواء أكانت في 14 أم في 8 اذار. لكن اختلاف الموارنة المعيب والمسيء الى الوطن يدفعنا جميعاً الى هذا المأزق الذي تعيشه الجمهورية كلها. ان ما يتخوف منه موارنة من ضياع الرئاسة وتراجع قيمتها ودورها، انما يتحملون هم مسؤوليته اليوم وغداً، ولن ينصفهم التاريخ.