النواب يتخاذلون.. و«قوى 14 أيار» لن تتراجع
الفراغ يخطف «السلسلة».. والعام الدراسي!
نجحت «هيئة التنسيق النقابية»، أمس، في اختبار الشارع، ورسبت الدولة في امتحان إنصاف أبنائها… والنتيجة: معركة مستمرة وعام دراسي مهدد بالضياع.
لم يمتلك مجلس النواب جرأة البت بالبنود الخلافية في سلسلة الرتب والرواتب (غرامات الأملاك البحرية، زيادة الضريبة على القيمة المضافة، درجات المعلمين، سلسلة العسكريين…)، فخانته الشجاعة والمصداقية، مفضّلا أن يؤجل تجرّع كأس الحسم مرة أخرى وأن يستمر في الهروب إلى الأمام، بعدما دخل المجلس عملياً في مرحلة «الضمور التشريعي»، مع بدء الأيام العشرة الأخيرة من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، والممتدة من 15 أيار إلى 25 منه، وهي فترة يصبح خلالها المجلس النيابي «هيئة ناخبة».
ولئن كان الرئيس نبيه بري قد حدّد موعد الجلسة المقبلة في 27 أيار الحالي، إلا أن هذا الموعد يبدو «نظرياً»، مع انسداد الأفق الرئاسي وعدم وجود أي معطى صلب يؤشر إلى إمكان انتخاب رئيس الجمهورية حتى 25 أيار، أو بعده، ما يعني أن الفراغ الزاحف إلى القصر الجمهوري سيـأخذ «السلسلة» في طريقه وسيجمّد البحث فيها حتى إشعار آخر، ذلك أن جزءا كبيرا من النواب، لاسيما المسيحيين منهم، يرفض التشريع ويعتبره غير شرعي، في ظل شغور موقع الرئاسة الأولى.
ومؤدى ذلك، أنه بات على الموظفين والمعلمين والأساتذة والعسكريين أن ينتظروا المفاوضات الصعبة للتوافق على اسم رئيس الجمهورية المقبل، وان يتابعوا مسار العلاقة السعودية – الإيرانية، ويترقبوا مستقبل الحوار الأميركي – الإيراني حول الملف النووي والانعكاسات المحتملة على الملفات الإقليمية ومنها الملف اللبناني، حتى يتضح مصير سلسلة الرتب والرواتب.
وإذا كان يُسجل للسلطة السياسية أنها نجحت في شيء، ففي المماطلة والتسويف على مدى سنوات من النقاشات والمناورات التي حولت السلسلة إلى «حقل تجارب» خرجت منه ثلاثة مشاريع، بدل واحد (حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، اللجان النيابية المشتركة، واللجنة النيابية المصغرة)… والحصيلة: لا سلسلة!
والخشية، هي في أن يدفع طلاب المدارس في الوقت الضائع ثمن الجولة الجديدة من المواجهة بين السلطة و«هيئة التنسيق» التي كانت قد هددت بمقاطعة الامتحانات الرسمية في حال عدم الاستجابة لمطالبها، علما أنها أكدت في بيان لها، أمس، أن التدريس سيكون عاديا اليوم في المدارس الرسمية والخاصة.
ومن الضروري أن تعيد «الهيئة» النظر في نمط المواجهة للمرحلة المقبلة، لئلا يغدو الطلاب ضحايا، كما هي حال المعلمين، فتنحرف المعركة عن وجهتها الأصلية وتصبح بين الضحايا أنفسهم، وفي ذلك تهديد للرصيد النضالي الذي صنعته «الهيئة»، وهي معنية بأن تحميه، لا أن تفرّط به.
وليلا، قال عضو «هيئة التنسيق» حنا غريب لـ«السفير» إن المعركة مفتوحة، وما حصل أن جولة انتهت وأخرى بدأت. وأكد أن يوم أمس، كان يوما مجيداً للحركة النقابية التي أظهرت حجمها وكرّست ثوابتها، وبالتالي باتت أقوى من أي وقت مضى، وعليهم أن يعرفوا أنها أصبحت في موقع من يفرض الشروط، ولا يتلقاها.
ولفت غريب الانتباه إلى أن أصوات المتظاهرين فعلت فعلها في داخل الجلسة العامة، الأمر الذي حال دون إقرار مسائل ترفضها «هيئة التنسيق»، وبينها رفع الضريبة على القيمة المضافة، ووقف التوظيف، والتهاون مع مخالفات الأملاك البحرية، وشطب درجات الأساتذة والمعلمين، مشددا على أن بقاء هذه البنود المجحفة عالقة هو بحد ذاته إنجاز لنا.
وأكد غريب أن الهجمة على الحقوق شرسة، «ونحن بدورنا سنكون شرسين في الدفاع عنها»، موضحاً أن مجالس المندوبين في فروع رابطة التعليم الثانوي الرسمي ستجتمع اليوم لمناقشة أشكال التصعيد في التحرك، وصولا إلى مقاطعة الامتحانات الرسمية.
وكانت «هيئة التنسيق» قد أثبتت أمس، أن التحرك النقابي ليس مجرد «عابر سبيل» في المشهد الداخلي، بل أصبح رقما صعباً في معادلة مراكز الاستقطاب التي لم تعد تقتصر على قوى الجذب الطائفي والمذهبي.
صحيح أن «الهيئة» لم تحصل أمس، على «السلسلة» التي تنتظرها منذ زمن طويل، لكن الصحيح أيضا أنها ربحت نفسها وربحت الرهان على حركة نقابية نضالية صلبة، ما دفع البعض إلى القول بأن ما حصل أمس، يتجاوز حدود الصراع على «سلسلة»، ويشي بولادة «قوى 14 أيار» العابرة لـ 8 و14 آذار على حد سواء.
هذا ما ثبت بالعين المجردة التي رصدت عشرات الآلاف من الموظفين والمعلمين والمتعاقدين والمتقاعدين ممن احتشدوا في سلسلة بشرية امتدت لمسافة طويلة في وسط بيروت، على مقربة من مجلس النواب، حيث كانت تُعقد الجلسة العامة التي غرقت في الرمال المتحركة لحسابات ومصالح متضاربة، افترقت حول الأرقام والتقت على تطيير السلسلة.
لم يكن الحشد عاديا. حشد كان من كل الطوائف والمذاهب والانتماءات والمناطق أعاد للعمل النقابي اعتباره وبريقه، وضخ في المدينة هواء نظيفاً، يخلو من الجراثيم التي تغلغلت في الحياة السياسية.
لقد أثبت المتظاهرون أمس، أن ما يجمع بين اللبنانيين هو أكبر مما يفرّقهم، وأن المطالب الاجتماعية المحقّة تشكل مساحة للإلتقاء يمكن أن تتسع لكل المتطلعين إلى العدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية والوظيفية، أياً كانت ميولهم وانتماءاتهم.
ويُسجل لـ«هيئة التنسيق» أنها تجاوزت مجددا امتحان تماسكها ووحدتها، برغم كل الضغوط والمحاولات التي جرت، لحرف مسار تحركها عن هدفه الأصلي، ولدفعها إلى الشعور بالتعب والإحباط .
تعيينات جديدة
على صعيد آخر، انتقلت جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة غداً من السرايا الحكومية إلى القصر الجمهوري برئاسة الرئيس ميشال سليمان، بعدما ظهرت مؤشرات توافق على تمرير دفعة جديدة من التعيينات الإدارية.
وتم توزيع جدول الأعمال على الوزراء بعد ظهر أمس، متضمنا 61 بنداً، أبرزها تعيين أعضاء المجلس العسكري بعد شغور طويل، والأسماء المطروحة هي: العميد الركن عبد الكريم يونس (شيعي) مديرا عاما للإدارة وهو حاليا يشغل منصب النائب الأول لمدير المخابرات، العميد الركن غسان سالم (أرثوذكس) مفتشاً عاماً وهو حاليا يشغل منصب مدير الغرفة العسكرية والعميد الركن سليم الحداد (كاثوليكي) عضواً متفرغاَ.