IMLebanon

الفراغ يعصف بالجمهورية

المهل تُطيح الانتخابات.. والتمديد مُعلّق

الفراغ يعصف بالجمهورية

كتب المحرر السياسي:

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السابع والثمانين على التوالي.

وها هو الفراغ الرئاسي يصبح شاهدا على فراغ سياسي وتشريعي، قد يبلغ حافة المحظور في الأسابيع والأشهر المقبلة، إذا استمر المنحى السياسي ذاته.

فالحكومة التي كان يفترض أن تكون بديلا للشغور الرئاسي لأيام أو أسابيع، تكاد تطوي شهرا ثالثا بديلا للشغور، ولا تجد من يهديها إلى السبيل الرئاسي المفقود.

أما المجلس النيابي الذي مدد لنفسه لسنة وخمسة أشهر تنتهي في العشرين من تشرين الثاني المقبل، فقد بات أسير المهل المتداخلة، الأمر الذي يطرح علامات استفهام كثيرة حول المآل الدستوري قبل انتهاء ولاية المجلس النيابي، أو بعدها.

وإذا كان التمديد النيابي مطلوبا من الجميع بأعذار وتبريرات مختلفة، فإن رئيس المجلس النيابي نبيه بري قرر هذه المرة، وفي ضوء تجربة التمديد الأولى وما تلاها، أن يضع دفتر شروط، بحيث تكون اللعبة مكشوفة أمام الجميع ولا تحتمل أي التباس.

«تريدون التمديد. أهلا وسهلا بكم في مجلس النواب، لكن الممر الإلزامي لقانون التمديد هو إعادة فتح أبواب المجلس النيابي أمام التشريع، بدءا من سلسلة الرتب والرواتب وصولا الى عشرات مشاريع القوانين التي تمس مصالح أغلبية اللبنانيين وتنتظر من ممثليهم في مجلس النواب إقرارها ووضعها موضع التنفيذ»، يردد رئيس المجلس أمام زواره.

في المقابل، يريد «تيار المستقبل» التمديد بلا أي مقابل، بل على العكس، يريد استثماره سياسيا بعنوان أن لا انتخابات نيابية قبل الانتخابات الرئاسية. هنا، تحضر في بال رئيس المجلس والنائب وليد جنبلاط «فعلة» الرئيس فؤاد السنيورة التاريخية، عندما أقدم على صياغة اتفاق تمديد ولاية المجلس في ربيع العام 2013 بشراكة كاملة مع الرئيس نبيه بري في عين التينة، بحضور الوزير علي حسن خليل ونادر الحريري والشهيد الدكتور محمد شطح، وقرر في اليوم التالي الانقلاب على الاتفاق، بإيعاز من الأميركيين، بعنوان أن المجلس الدستوري سيد نفسه، ولا سبيل للضغط على أعضائه المحسوبين على «المستقبل»، حتى لو كانت النتيجة إطاحة التمديد، وإجراء الانتخابات النيابية.

من هذه الزاوية تحديدا، قرر بري أن يرفع شعار رفض التمديد لمجلس النواب؛ ذلك أن من بين الأسباب الموجبة للتمديد الأول، إفساح المجال أمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية ووضع قانون انتخابي جديد، وإقرار القوانين الملحة وأولها مشروع سلسلة الرتب والرواتب، «فماذا كانت النتيجة: لا رئيس ولا قانون انتخابيا جديدا ولا تشريع ولا رقابة ولا محاسبة، فهل يجوز التمديد لهكذا مجلس معطل او عاطل عن العمل، وهل يجوز لأعضائه اصلا أن يتقاضوا رواتبهم»؟

في «حفلة المزايدة» الأولى، قبل سنة ونيف، أفتى «المستقبل» بعدم جواز التشريع في ظل واقع تصريف الأعمال حكوميا (بعد استقالة حكومة نجيب ميقاتي). في «حفلة المزايدة» الثانية، أفتى «فريق 14 آذار» وبالتواطؤ مع بعض مكونات «8 آذار» المسيحية، بعدم جواز التشريع في ظل شــغور رئاسة الجمهورية.

رفعت «14 آذار» شعار الانتخابات الرئاسية أولا، ثم الانتخابات النيابية. لاحقا، قالها سعد الحريري العائد إلى بيروت للرئيس بري بوجوب المسارعة إلى التمديد قبل تداخل المهل. ظل رئيس المجلس متمسكا بموقفه.

«أنا سأدفع باتجاه وضع النظام برمّته في «بيت اليك» مع انتهاء ولاية المجلس رسمياً في 20 تشرين الثاني المقبل، حتى لو وقع عندها الفراغ الكبير، وأصبحنا بلا رئيس للجمهورية ولا رئيس للمجلس ولا حكومة.. لأنه إذا ما كبرت ما بتصغر»، قالها بري لـ«السفير»، من دون أن يأتي على ذكر الطائف أو الصلاحيات.. «لكن الرسالة تُقرأ من عنوانها» يقول أحد قياديي «8 آذار».

الإخلال بالمهل الانتخابية

ومن باب العلم والخبر، انتهت منتصف ليل امس (18 آب 2014)، المهلة الأخيرة التي يحددها القانون الانتخابي النافذ (قانون الستين)، في المادة 44 لتوقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة قبل تسعين يوما من موعد اجراء الانتخابات المحددة في مشروع المرسوم الذي أعده وزير الداخلية نهاد المشنوق، والذي حدد فيه الاحد 16 تشرين الثاني المقبل موعدا لإجراء الانتخابات النيابية (آخر أحد قبل انتهاء ولاية المجلس الحالي).

ومع انقضاء المهلة، من دون صدور المرسوم حاملا تواقيع كل من وزير الداخلية، وزير المال، رئيس الحكومة وكذلك توقيع رئيس الجمهورية، فان مهلة التسعين يوما تكون قد انكسرت وحصلت مخالفة واضحة لقانون الانتخابات المعمول به.

وما دام الشغور الرئاسي مستمرا، كان يجب أن يحمل المرسوم تواقيع الوزراء الـ24 مجتمعين وفقا للآلية المعتمدة في مجلس الوزراء لممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية عملا بالمادة 62 من الدستور اللبناني.

واذا كان وزير الداخلية قد رفع المسؤولية عنه بتوقيعه في 5 آب الحالي مشروع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة ومن ضمن المهلة القانونية، فإن مسؤولية الاخلال بهذه المهلة تقع على عاتق الحكومة رئيسا ووزراء (بدلا من رئيس الجمهورية) الذين كان عليهم استكمال التوقيعات على المرسوم واصداره قبل الثامن عشر من آب 2014.

على ان الاخلال بهذه المهلة يستدعي من أي معترض الطعن بأية دعوة للانتخابات امام مجلس شورى الدولة، وهذا يطرح الاسئلة التالية:

ـ اذا ما قرر احد اليوم او غدا او في أي وقت لاحق تقديم طعن بهذا الاخلال الى مجلس شورى الدولة، فعلى أي اساس سيتم هذا الطعن، طالما لا يوجد أي قرار او نص مكتوب ومكتمل دستوريا وقانونيا ليتم تقديم الطعن على اساسه؟

ـ إن صح ما قيل عن توجه لدى الحكومة لتوقيع المرسوم في الجلسة الاستثنائية التي سيعقدها مجلس الوزراء عند الخامسة بعد ظهر اليوم في السرايا الحكومي، فهل تستطيع الحكومة ان تستدرك هذا الاخلال بالمهل، وهل سيوقع كل الوزراء الـ24 على المرسوم بدلا من رئيس الجمهورية، وماذا لو امتنع احد الوزراء عن التوقيع، الا يؤدي ذلك الى تعطيل المرسوم حتى ولو صدر خارج المهلة القانونية التي كان يفترض ان يصدر خلالها؟

– إذا ما أصدرت الحكومة مرسوم دعوة الهيئات اليوم، او لم تصدره، هل ثمة فارق بين الصدور وعدمه، وهل لكلا الامرين قيمة قانونية، طالما أنه حصل تجاوز للمهل؟

ـ إذا سلك مرسوم دعوة الهيئات الناخبة مسارا طبيعيا في مجلس الوزراء وحمل تواقيع الوزراء المختصين وتوقيع رئيس الحكومة وتواقيع كل الوزراء نيابة عن رئيس الجمهورية، ألا تقدم الحكومة بذلك نصا غير قانوني يرتكز اليه أي طعن أمام مجلس شــورى الدولة؟

ـ هل ان هذا الاخلال يستبطن في مكان ما يقينا بان التمديد لمجلس النواب بات امرا واقعا، ولذلك سلكت مكونات الحكومة هذا المسلك الأعوج لاصدار مرسوم خارج المهلة القانونية اليوم؟

ـ هل انتقلت الكرة الآن الى ملعب مجلس النواب، فصار وحده صاحب الحق في استدراك الامر، عبر تعديل المهل في قانون الانتخابات اما تقصيرا واما توسيعا لها واما حسم الجدل بشكل نهائي بتمديد ولاية المجلس؟

ـ هل يمكن أن يستمر رئيس المجلس بلعبة حشر الجميع ومعهم النظام، في «بيت اليك» حتى اللحظة الأخيرة، على قاعدة التشريع مقابل التمديد، وماذا إذا أدت المزايدة الى عدم تراجع الطرفين، وهل يمكن أن نصل الى مرحلة الفراغ الشامل، والى أين يقود هذا الفراغ، خصوصا على صعيد مستقبل الصيغة السياسية الحالية؟

جنبلاط: حذارِ الخطر الداعشي

في هذا الوقت، جدد النائب وليد جنبلاط دعوته الى انتخاب رئيس للجمهورية في اقرب وقت ممكن، وقال: «لا يجوز ان نبقى على هذه الحال»، وأكد لـ«السفير» انه يشارك الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله تشخيصه للخطر الداهم المحدق بالجميع من دون استثناء، والمتمثل بالارهاب الداعشي الذي يزحف على المنطقة، باعتباره خطرا وجوديا ليس على لبنان فقط بل على كل دول المنطقة وشعوبها.

واشار جنبلاط الى انه «ازاء هذا الخطر، آمل لو يتعمق الجميع في ما يجري، ويلتقون بالحرص المشترك على مواجهة هذا الخطر بشيء من الوحدة والتكاتف لانقاذ لبنان، وهذا يفرض بالحد الادنى، تنحية كل الاختلافات والتباينات جانبا وأن نجتمع جميعا على قاسم مشترك حيال هذه النقطة الجوهرية؛ إلا أن هذا لا يلغي ابدا اهمية المسارعة الى انتخاب رئيس للجمهورية والخروج من هذا الفراغ الرئاسي الراهن الذي يترتب عليه ان استمر المزيد من السلبيات، في وقت احوج ما يكون فيه لبنان الى الامن والاستقرار في ظل ما يجري من حولنا من اخطار».