الفيصل «ينفتح» على ظريف: الدعوة مفتوحة
المفاوضات النووية لن ترفع العقوبات ولو بلغت اتفاقاً نهائياً!
تطور بالغ الدلالة والمعاني ما صدر عن سعود الفيصل يوم أمس. «صقر» السعودية والشخصية الأساس المعادية لإيران تفتح ذراعيها لحوار مع الجمهورية الإسلامية. العبرة ليست في طهران ولا في الرياض، بل في بغداد وحمص وبيروت و… فيينا
دعوة سعودية للحوار مع إيران، لا شك في أنها لن تكون تفصيلاً عابراً، لا من حيث مضمونها الرامي إلى «تسوية الخلافات وجعل المنطقة آمنة ومزدهرة»، ولا من حيث توقيتها النووي، والإقليمي، والدولي. ولا من حيث الشخصية الصادرة عنها التي تعد من «صقور» المملكة.
المعلومات الواردة من طهران تؤكد أن «أي تغيير لم يطرأ في الموقف الإيراني»، مشيرة إلى أن «الجمهورية الإسلامية، منذ وصول الرئيس حسن روحاني إلى سدّة الرئاسة، أعلنت أنها منفتحة على حوار مع السعودية وقد عبرت عن ذلك مرّات عديدة علناً»، بينها التصريحات التي رافقت جولة وزير الخارجية محمد جواد ظريف الخليجية الأخيرة والتي كان يأمل منها، في نهاية المطاف، بمحطة في الرياض. وتشير تلك المعلومات إلى أن «الممانعة والرفض كانا دائماً سعوديين، رغم كل الانفتاح الذي أبدته طهران من أجل إصلاح ذات البين».
وتضيف المعلومات نفسها إن آليات عديدة طرحت لحوار بناء، في خلال المحادثات التي جرت عن طريق الوساطة العمانية، والتي جمدتها مسقط بعدما ساءت علاقتها مع الرياض، وعبر الكويت التي تسلمت الشعلة من السلطنة قبل أشهر وتحولت إلى الوسيط الأساس بين الطرفين. وأوضحت أن من بين تلك الآليات ما طرحه السعوديون عن خطوات متوازية تصاعدية لبناء الثقة، تبدأ بلقاء وكيلي وزيري خارجية البلدين، على أن تنتقل إلى محادثات بين وزيري الخارجية، لتصل في نهاية المطاف إلى زيارة يقوم بها الشيخ روحاني للسعودية للقاء الملك عبد الله».
الفيصل: نامل أن
تكون إيران ضمن الجهود المبذولة لجعل المنطقة آمنة ومزدهرة
المعلومات المستقاة من دوائر معنية بالعلاقات الإيرانية السعودية تؤكد أن السعوديين طرحوا أخيراً عبر الكويتيين أن يزور مساعد وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان الرياض لإجراء محادثات، لكنه «عرض لم يحظ بالرضى الإيراني، على قاعدة أن لا الأجواء السعودية ولا المناخ المرافق لعرض كهذا ولا آلياته ولا حتى مستوى المتفاوضين من ناحية درجة التفويض التي يمتلكانها يمكن أن تؤدي الى اختراق جدي».
لكن، لماذا هذه الدعوة اليوم، في هذا التوقيت بالذات؟ وما هي الدوافع التي تقف خلفها؟
المعلومات نفسها تقدم مستوى أكثر اتساعاً في مقاربتها، تشير إلى «انتخابات العراق التي أظهرت حصول (رئيس الحكومة) نوري المالكي على كتلة برلمانية ستتجاوز في حجمها ما كان يمتلكه في البرلمان السابق، وبالتالي بات واضحاً أنه قاب قوسين من ولاية ثالثة مؤكدة. هناك أيضاً التطورات الأخيرة في حمص، مع ما يعنيه ذلك من يد طولى للمحور الداعم للرئيس (السوري بشار) الأسد على المستوى الميداني في هذا البلد. وهناك أيضاً الوضع في الساحة اللبنانية حيث تبيّن بالدليل القاطع أن لا انتخابات رئاسية من دون رضى محور المقاومة. كلها عوامل، تضاف إلى الضغط الأميركي والدفع الكويتي، عملت على إقناع السعوديين على ما يبدو باتخاذ هذه الخطوة».
ولعل الدفع الأميركي تجلى أمس في زيارة وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل للسعودية، حيث التقى قادة المملكة لبحث ملفي سوريا وإيران. أما الدفع الكويتي فيتجلى في زيارة أمير الكويت لطهران في الأول من حزيران المقبل، حيث من المقرر أن يبحث العلاقات الثنائية، وبينها الخلافات حول الجرف القاري، لكن الأهم أن جوهر اللقاءات سيتركز حول العلاقات مع مجلس التعاون الخليجي والسعودية على وجه التحديد، إضافة إلى سوريا وأمور أخرى.
وكان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قد أعلن في وقت سابق أمس أن المملكة وجهت دعوة لمحمد جواد ظريف لزيارتها، قائلاً «نرغب في استقباله، فإيران جارة لدينا علاقات معها وسنجري مفاوضات معها».
وتابع الفيصل، خلال مؤتمر صحافي على هامش منتدى التعاون بين العالم العربي وآسيا الوسطى، «سنتحدث معهم، وإذا كانت هناك خلافات نأمل أن تتم تسويتها بما يرضي البلدين. كما نامل أن تكون إيران ضمن الجهود المبذولة لجعل المنطقة آمنة ومزدهرة وأن لا تكون جزءاً من مشكلة انعدام الأمن في المنطقة». وأشار الى التعبير عن الرغبة في إعادة الاتصالات بين البلدين عبر عنها الرئيس الإيراني (حسن روحاني) ووزير الخارجية (جواد ظريف)». وتابع «لقد أرسلنا دعوة إلى وزير الخارجية لزيارة السعودية، لكن العزم على القيام بالزيارة لم يتحول الى واقع بعد. لكننا سنستقبله في أي وقت يراه مناسباً للمجيء.
وليس واضحاً إن كانت مصادفة، أم أمر مخطّط له أن تأتي زيارة هاغل ودعوة الفيصل مع بدء المرحلة الأخيرة من المفاوضات النووية بين إيران والغرب، وبينما كانت قدما ظريف تطآن فيينا لترؤس الوفد الإيراني إليها.
لكن الأكيد أن تصريحات المرشد علي خامنئي يوم أمس، والإشارات التي مررها فيها، هدفها تظليل محادثات فيينا. كان حريصاً على التشديد على عجز أميركا عن «ارتكاب أي حماقة، سواء عسكرية أو غيرها»، مشدداً على أن «اعتمادنا على طاقاتنا الداخلية وتعزيزها وتركيز جهودنا على الإمكانات الذاتية سيحبط مخططات أميركا والقوى الأخرى في فرض الاستسلام على الشعب الإيراني عبر ممارسة الضغوط». وقال خامنئي، في كلمة ألقاها أمام حشد كبير من أهالي محافظة إيلام بمناسبة ذكرى مولد الإمام علي بن أبي طالب، إنه «ينبغي للقوى الكبرى أن تعلم أن الشعب الإيراني لن يرضخ لمطامعها لأنه شعب حي وشبابه يتحركون وينشطون بالاتجاه الصحيح».
كلام بالغ الوضوح لعله يقف خلف تأكيدات ظريف، من فيينا، «أن الجزء الصعب» قد بدأ فعلاً وأن الاتفاق المنشود قد يجهض حتى في حال غياب التوافق حول فقط «2% من المواضيع المطروحة للبحث». وتدخل محادثات إيران ومجموعة «٥+١» مرحلة جديدة بالغة الدقة والحساسية، مع بدء صياغة ما بات يعرف بـ«الاتفاق النهائي». وستبدأ المفاوضات الفعلية صباح اليوم عقب لقاء ظريف على مائدة عشاء مساء أمس مع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون التي تتفاوض باسم «5+1»، على أن تتواصل حتى يوم الجمعة.
وخلافاً للجلسات السابقة، سيتولى ظريف وأشتون عقد معظم الاجتماعات.
وقد تكون أكثر الملفات خلافية خلال تلك الجولة، البند المتعلق بمفاعل أراك للمياه الثقيلة الذي يطلب الغرب إغلاقه، وقدرة تخصيب اليورانيوم التي تتمسك طهران بأن تحتفظ بها بعد التوصل الى اتفاق محتمل.
ولعل ما يجعل الغرب يعتقد بإمكان الوصول إلى حد أدنى من التفاهم النووي حاجة الطرفين إلى اتفاق كهذا؛ فالرئيس الأميركي باراك أوباما، إضافة إلى كونه بنى سياسته الخارجية في المنطقة على تسوية مع إيران، محكوم بانتخابات التجديد النصفي للكونغرس آخر هذا العام. وهي انتخابات يبدو واضحاً أنه يحتاج في خلالها إلى «نصر» خارجي لضمان فوز حزبه بها، وخاصة في ظل فشل مشروعه لـ«الربيع العربي» ولإبرام تسوية فلسطينية إسرائيلية ولإسقاط الأسد، وآخر الغيث أزمته في أوكرانيا.
أما الرئيس روحاني، فيراهن على ما يبدو على تفاهم نووي يؤدي إلى رفع العقوبات، وبالتالي تحسين الوضع الاقتصادي الداخلي، ما يشكل رافعة له أمام منافسيه من الأصوليين. لكن المشكلة بالنسبة إلى هذا الأخير أنه أدرك، ولو متأخراً، أن ملف العقوبات الدولية والأميركية مرتبط بملفات أربعة، يحتل النووي الجزء الأصغر منها. أما الملفات الثلاثة الأخرى فهي «الإرهاب» و«حقوق الإنسان» و«الصواريخ»، وبالتالي لا حل للعقوبات قبل الانتهاء نهائياً من الملفات الأربعة تلك. بل حتى لو حصل هذا، يبقى على أوباما مشكلة حل خلافاته مع الكونغرس الذي لا يزال يعارض أي رفع للعقوبات عن إيران.