IMLebanon

الكنيسة تتحرّكنعم نحن «ن» نور العالم

1

لم يحل العجز اللبناني عن ارساء حل لاي من الملفات الداخلية المأزومة، دون التفات البطاركة المسيحيين وفي مقدمتهم البطريرك الماروني، بدعم ومباركة من الفاتيكان، الى قضايا مصيرية اخرى قد لا تقل اهمية، مرتبطة بالوجود المسيحي في المنطقة ككل، على خلفية التطورات العراقية الاخيرة وسياسة التطهير التي تتبعها «الدولة الاسلامية» في العراق والشام تجاه الاقليات في المناطق التي مدت نفوذها اليها.

تروي مصادر البطريركية المارونية، ان بكركي تلقت رسائل عديدة واتصالات، غداة اندلاع ازمة الموصل، من جهات لبنانية وعربية في الاغتراب، تدعو الى تشكيل وفد كنسي علماني يزور الدول الكبرى والفاعلة لمؤازرة مطلب مسيحيي الموصل تحت عنوان ابقاء مسيحيي الشرق في ارضهم للحفاظ على رسالته وتنوعه كنموذج للعيش المشترك وحوار الحضارات، ما دفع بالبطريرك الراعي وبعد سلسلة مشاورات عقدها مع مسؤولي الكنائس الاخرى الى الدعوة لعدد من المؤتمرات في لبنان، شكل الصرح مركزا لاحد ابرزها حيث اتخذ بطاركة الشرق الذين اجتمعوا منذ ايام مبادرات تصب في خانة الحد من تهجير المسيحيين في الموصل بعدما دعا اللقاء التشاوري لممثلي الطوائف المسيحية والاسلامية في مطرانية جبيل الى تكوين قوة ضغط من المرجعيات الدينية وتشكيل وفد يطالب الدول بإيجاد حل سياسي يضمن بقاء المسيحيين والاقليات في اوطانهم.

فاعلان الحكومة الفرنسية تضيف المصادر عن جهوزيتها لاستقبال مسيحيي العراق ضحايا «الاضطهادات» بصفتهم طالبي لجوء، لم يحل دون تحرك الكنائس المشرقية في اتجاه دعم هؤلاء لابقائهم في ارضهم والوقوف في وجه اي مخطط يهدف الى تفريغ العراق من مسيحييه كتوطئة ربما لافراغ الشرق الاوسط منهم. انطلاقا من ذلك تشكل زيارة الوفد الكنسي في هذا الوقت بالذات الى العراق، رغم المخاطر الامنية الكبيرة، جرعة دعم معنوية ولفتة نظر دولية في اتجاه المسيحيين الهاربين من الموصل حيث التطهير الديني خصوصا انها تأتي غداة جولة وفد من مسيحيي الموصل على عدد من دول القرار حيث زار واشنطن طالبا حماية دولية ودعما لانشاء اقليم مسيحي على غرار اقاليم الاكراد والسنة والشيعة في العراق، بحسب ما اكدت المصادر.

الوفد البطريركي الذي يغادر اليوم تتابع المصادر على متن طائرة خاصة الى اربيل العراق تلبية لدعوة رسمية من المسؤولين العراقيين، والتي لاقت ترحيباً وتشجيعاً من البابا فرنسيس الذي ابدى استعداده لزيارة العراق اذا ما دعت الحاجة، يضم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك السريان الكاثوليك اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الارثوذكس اغناطيوس افرام الثاني كريم وبطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس روفائيل الاول ساكو، حاملين معهم ما تمّ جمعه في صواني قداديس الاحد التي خُصصت لمساعدة العراقيين المنكوبين، فضلا عن مساعدات من جمعيات خيرية، تعبيرا عن تضامن اللبنانيين معهم. وتهدف الزيارة، التي تقتصر على يوم واحد، بحسب المصادر، الى الاطلاع من المسؤولين السياسيين والروحيين الذين سيلتقونهم، على أوضاع المسيحيين المهجرين الذين أجبروا على مغادرة مناطقهم عنوة من تنظيم «داعش» وقصدوا اربيل وكيفية مساعدتهم على البقاء في أرضهم وعدم اعتماد خيار الهجرة الى دول أخرى حرصاً على عدم تفريغ المنطقة من مكون أساسي فيها يشكل رمزاً للتعايش بين الاديان ويحصن العيش المشترك في الشرق الاوسط، ذلك أن الكنيسة قامت ونمت على الشهادة للحق والاستشهاد في سبيل القيم التي تنبذ الحقد والكراهية والعنف وتدعو إلى المحبة والغفران والمسامحة. قضية تشكل عنصراً جوهرياً وهاجساً لرؤساء الكنائس المسيحية في العالم التي أرسلت أكثر من وفد كنسي الى اقليم كردستان سعياً الى ترسيخ وجود هؤلاء في أرضهم ووقف مسلسل اضطهادهم الذي بدأ من الموصل وامتد الى سائر المناطق المسيحية، كان آخره رئيس اساقفة ليون الكاردينال فيليب بارباران على رأس وفد من اساقفة فرنسا بعدما عين قداسة البابا فرنسيس الكاردينال فرناندو فيلوني عميد مجمع تبشير الشعوب موفدا شخصيا له الى العراق لأول مرة في تاريخ العلاقة الديبلوماسية بين الجانبين.

وبحسب ما تؤكد مصادر كنسية، فان الحراك البطريركي لن يقتصر على زيارة العراق بل يتعداه في اتجاه دول القرار، اذ يعتزم الوفد بعد معاينة الواقع الميداني، زيارة واشنطن لعقد مجموعة من اللقاءات، حيث ينتظر ان يحضر ملف «مسيحيي الشرق»، في مؤتمر يقام في واشنطن، في الفترة الممتدة بين 9 و11 ايلول، مع ما يعنيه التاريخ من رمزية، يحضره عدد كبير من بطاركة الشرق من بينهم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بهدف الاضاءة على مأساتهم و«حرب الاقتلاع» التي يتعرضون لها والتي بلغت حدا خطيرا يهدد التركيبة الديموغرافية التاريخية للمنطقة. مصادر مطلعة على التحضيرات الجارية، اشارت الى ان هدف المجموعة المنظمة من مسيحيين اميركيين ولبنانيين وعرب، انشاء مؤسسة جديدة هدفها البحث في السبل الآيلة للحفاظ على المسيحيين في «مهد المسيحية» في هذا الظرف الاستثنائي بالذات، والاضاءة على «القضية المسيحية» في هذه المنطقة من العالم، التي طالما شكلت خليطا حضاريا وثقافيا ودينيا متنوعا، عبر تشكيل رأي عام اميركي ضاغط على الادارة الاميركية لحثها على التحرك بشكل افعل تجاه ما يدور في المنطقة ومع مسيحييها، كاشفة ان المؤتمر سيشكل فرصة للاستماع الى وجهة نظر بطاركة الشرق او ممثليهم، العائدين من زيارتهم للعراق بعد اطلاعهم على الاوضاع ميدانيا، بالاضافة الى شخصيات من الشرق ومن الولايات المتحدة، تمهيدا للخروج بحلول فعلية وواقعية لمساعدة مسيحيي الشرق وتحديد ما المطلوب من الغرب في هذا الخصوص، كما علم ان برنامج المؤتمر يتضمن ايضا يوماً كاملاً للبطاركة في الكونغرس الاميركي، ومواعيد مع كبار المسؤولين في الادارة الاميركية من اجل حثهم على لعب دور فاعل في وقف هجرة المسيحيين والسعي الى تثبيت وجودهم في ارضهم، فضلا عن سلسلة محاضرات لاختصاصيين وسياسيين أميركيين، خبراء في اوضاع الشرق الاوسط.

البطريرك الراعي وبحسب مصادر الصرح سيزور اثر عودته من اربيل الفاتيكان في 27 و 28 الجاري لاطلاع المسؤولين فيها على حصيلة زيارته ومشاهداته لواقع المسيحيين، على ان يتوجه نهاية ايلول الى اوستراليا في اطار زيارة تتركز في شق اساسي منها على بحث كيفية دعم المسيحيين في الشرق ومنع هجرتهم اضافة الى ملف انتخابات رئاسة الجمهورية العالق، كاشفة عن ان مساع واتصالات جارية بعيدا عن الكواليس بين فاعليات سياسية مسيحية واسلامية تتداول في امكان عقد مؤتمر وطني اسلامي ـ مسيحي يخصص للتشاور في اوضاع المسيحيين في الشرق الاوسط ووجوب الحفاظ على التنوع الديني والثقافي والحضاري في دوله، تحت عنوان «نعم» نحن «ن» اي نور. ويضيء المؤتمر على دور المسيحيين في النهضة العربية وتطور الدول سياسيا واجتماعيا وحضاريا وثقافيا.

اجندة المواعيد تتخذ الزيارة الى واشنطن اهمية قصوى نسبة للدور الممكن ان تلعبه الادارة الاميركية على المستوى الدولي في وقف اضطهاد المسيحيين في الشرق وتثبيت وجودهم والعمل على وضع حد لهذه المأساة الانسانية اضافة الى توفير الحماية لكل من يتهددهم العنف وضمان تقديم المساعدات الضرورية للمسيحيين المهجرين الذين يعتمد مصيرهم على تضامن مسيحيي العالم كافة معهم، خاصة ان التحرك الاميركي الاخير وقرار التدخل العسكري المحدود،اقله حتى الساعة، لم يتخذ الا حفاظا على مصالحها الحيوية والاستراتيجية، وبعيدا عن مبدأ حماية الاقليات. الا انه يبقى البارز واللافت ان زيارة الوفد البطريركي الى اقليم كردستان وليس بغداد اشارة تحمل اكثر من معنى ومغزى، في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل يبحث الموضوع نفسه مع نظيره العراقي مطلقا مواقف لافتة.