قلق من تراجع اهتمام الدول بانتخاب رئيس
الكنيسة تتخوف من التأقلم مع الفراغ
نحو عشرة ايام كانت كافية ليكتشف اللبنانيون ان مرحلة الفراغ في سدة الرئاسة مرشحة لان تطول. ليس هذا الاكتشاف الوحيد. فقد تأكدت لهم عدة امور اخرى ذات دلالة.
الوضع الامني ممسوك. يعود ذلك الى مجموعة معطيات، ابرزها فك تلاحم المسار والمصير، الامني فقط، مع الازمة السورية، اقله لهذه المرحلة. فالدول حريصة على استقرار البلد، بدرجة اعلى ربما من الكثير من مسؤوليه وابنائه.
الوضع الحكومي متماسك على قدر الحاجة. بالتالي التهويل من تداعيات الفراغ وشلل الدولة، تم تجاوزه بالحد الادنى.
الوضع الاقتصادي يواصل تراجعه، سواء كانت المواقع مشغولة او شاغرة، في غياب الرؤية وتعشش الفساد وتخلخل كل مقومات الدولة والمؤسسات.
الاوضاع الاجتماعية من تهالك الى آخر. يضاف اليها استقبال فقراء للاجئين فقراء، وثقل الاعباء وتناقض القراءات ومفاهيم الحياة والنظرة الى سلم القيم والاولويات.
اما الاوضاع السياسية، وهي مجموع كل الاوضاع السابقة الذكر، فحدث عنها ولا حرج. والسؤال التاريخي يكرر نفسه في معرض النفي: هل من سياسة في لبنان؟
امام هذه الاوضاع المعقدة، تجد الكنيسة المارونية نفسها في وضع لا تحسد عليه. فمن جهة تعتبر نفسها مسؤولة ضميريا وعمليا عن «الكيان المهدد» برأيها، ومن جهة ثانية ترى ان «الوطن لا يقوم ويستمر الا بتلاقي إرادات جميع ابنائه والتفافهم حول ثوابت لا تحتاج الى مراجعة او اعادة توافق عند كل استحقاق»، بحسب احد كبار اساقفتها. وهو يسأل «كيف تمكن معالجة كل ازماتنا في حين ان هنالك من يفرض على اللبنانيين التأقلم مع الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية وكأنه تفصيل صغير في الحياة السياسية؟». يضيف «لن نسكت ولن نتهاون في هذا الموضوع. وعلى من يزايد في وطنيته، من كل الاطياف السياسية والعائلات الروحية، ان يترجم كلامه في السلوك والممارسة بدءا من انتخاب رئيس جديد للجمهورية».
تحول انتخاب رئيس الى هاجس كنسي. هو «بوابة للولوج الى دولة تستعيد عافيتها عبر المؤسسات وانتظام عملها». ومع ذلك فان قلقا حقيقيا يتسرب ويتمكن في الاوساط الكنسية التي لا تتردد في مد شبكات اتصالها الخارجية، عبر الفاتيكان، وعبر انتشارها وتاثيرها في العديد من دول العالم.
حاولت بكركي، بالمباشر، مع الزعماء الموارنة ولم تنجح. حاولت عبر وساطة المؤسسات المارونية، وها هي تقترب من اعلان عجزها. لكنها مصرة الا تستسلم.
يروي احد المقربين من بكركي انه قبل فترة جاء من ينصح البطريرك بشارة الراعي بألا يواصل تحذيراته من الفراغ ورفضه له تحت حجة «ماذا سيكون موقفك يا سيدنا اذا حصل الفراغ، وهو حاصل على الارجح؟. سيقال حينها ان كلمة البطريرك غير مسموعة وانه فشل في الدفع باتجاه انتخاب رئيس. لم يعلق البطريرك على هذا الكلام. لكن امكن قراءة معالم الخيبة على محياه من سياسيين لا يجاهرون بالحق والواجب ولا يدفعون لتحقيقهما، بل يختبئون وراء حسابات ضيقة من نوع ما حُذر منه».
على عكس بكركي التي لا تزال تفتش عن سبل تقود الرئيس العتيد الى بعبدا باسرع وقت ممكن، يسجل غياب اي حراك ديبلوماسي، في هذا المجال. وكأن الدول، التي يصر السياسيون اللبنانيون على انها هي من تقرر وتنتخب رئيس الجمهورية، تسقط الرئاسة من حساباتها. ينسب مسؤول حزبي في «14 آذار» انشغال الدول عنا بـ«اهتمامها بأحداث اكبر، وفي طليعتها سوريا. يضاف الى ذلك تيقن الجميع من ان اي كلام جدي اليوم لن يؤدي الى نتيجة في ظل تعنت العماد ميشال عون. فالجميع اصبح متيقنا انه تمكن مناقشة واقناع سمير جعجع في موضوع التوافق على رئيس، لكن عون هو غير القابل للمناقشة او الاقناع». يعتبر مسؤول في «التيار الوطني الحر» مثل هذا الكلام «تهويلا على العماد عون والتيار الحر كي نقبل بأي مرشح تحت تهديد الفراغ والشلل. هذه المرة لن نسمح بتمرير الامور بهذه الطريقة. فمصير لبنان لسنوات مقبلة مرتبط بشكل جذري باختيار الرئيس. ولن نرضى بأن نمـلأ الفراغ الا بالشـخص المنــاسب».
الشخص المناسب له تعريفات ومواصفات تبلغ حد التناقض عند كلي الفريقين. اما بكركي فبدأت «طموحاتها تتراجع»، على ما يقول احد السياسيين، متخوفا من ان تستسلم «لاي رئيس كان، كي لا يبقى الموقع شاغرا. وهذا لا يدعو الى التفاؤل ولا يطمئن».