الأحزاب تتمسك بـ”لبننة” الاستحقاق
الكنيسة تحمّل المسيحيين مسؤولية الفراغ
يبدو البطريرك الماروني وحيداً في جزمه أنه لا يمكن للفراغ أن يجلس على سدة الرئاسة. فالتسليم الذي يجتاح الأوساط السياسية بأن شغور الرئاسة قدر نسير إليه بأعين مفتوحة، تحوّل الى قناعة مكرسة لدى معظم الناس. اصبحت النقاشات تبحث في ما بعد الفراغ. ماذا ينتظرنا؟ هل سيهتزّ استقرارنا الامني او الاقتصادي او الاجتماعي؟ كيف سنعيش بلا رئيس جمهورية؟ كيف سيدار البلد؟
المضحك ـ المبكي أن السياسيين يتشاركون مع المواطنين «التنجيم» ومحاولات استشراف الغيب. فاللعبة خرجت نهائياً من أيدي اللاعبين المحليين. مرة جديدة ستفصّل دول العالم رئيساً للبنان على مقاس مصالحها وحساباتها وموازين القوى التي تناسبها. وسيتدثر اللبنانيون بثوب سيكون فضفاضاً أيّاً يكن اسم الرئيس الآتي باسم التوافق الدولي.
فمن المسؤول عن هذا الافق المسدود والمصادر؟ وهل يمكن الرهان على ربع الساعة الاخير لتغيير الصورة القاتمة، كما يروج البعض؟
يُصرّ مرجع كنسي على «تحميل السياسيين المسيحيين مسؤولية شغور الرئاسة الاولى». يقول «ليس في هذا الكلام جلد للذات بقدر ما هو وضع للامور في نصابها وتحميل المعنيين مسؤولياتهم التاريخية. فما يجري اللعب به ليس منصباً في الادارة او موظفاً في دائرة. هي رئاسة الجمهورية برمزيتها في لبنان والعالم العربي. الخطأ الاول صدر عن انقسام المسيحيين وعدم توافقهم».
ولكن، أليست السياسة اختلافاً في الرأي والرؤية؟ لماذا تحميل المسيحيين وحدهم وزر الشغور؟ واذا كان للرئيس رمزيته اللبنانية والعربية، فلماذا تقزيم انتخابه على قياس مسيحي فقط؟ واستطراداً متى كان المسيحيون مجمعين على رئيس؟ ألم يكونوا دوماً في معسكرين متواجهين؟ الم يُصوّر ذلك كمصدر تنوع وغنى؟
يجيب المصدر الكنسي ان «ازمتنا اليوم ليست في خيارات المسيحيين السياسية بل في اختلافهم على الثوابت. فعدم انتخاب رئيس وتفضيل الفراغ على هذا المرشح او ذاك، يعني السماح بتعرية البلد ووضعه في مهب الريح. ولقد سمحوا بتركهم الأمور تذهب الى هذا الحد من الانقسام، بأن تختار لنا الدول رئيسنا العتيد. وغداً حين ستقول الدول كلمتها سينصاع الجميع، مسيحيين ومسلمين، إلى الارادة الخارجية. ونحن لا نجد صورة أبشع من هذه يمكن أن نعكسها عن أنفسنا. فما يجري مهين على كل المستويات».
ترفض الأحزاب المسيحية هذا المنطق الذي يعتبر انها تسلم امرها للارادة الخارجية التي تُفرض عليها. يقول مصدر في حزب «الكتائب» إن «الحزب الذي يُرمى بالسهام من الحلفاء والخصوم لحرصه على ابقاء الجسور ممدودة مع الجميع، حتى في اشد الازمات، لا يزال يراهن على إمكانية انتاج رئيس صنع في لبنان. يراهن ويعمل. وحراك الرئيس امين الجميّل واضح في هذا المجال. فالكتائب مع لبننة كل الاستحقاقات، فكيف إذا كانت انتخاباً لرئيس الجمهورية؟».
لكن تفاؤل «الكتائب» لا يلغي قلقها من «امكانية تسلل الفراغ وما يمكن أن يتفجر جراءه على كل المستويات من القضايا الامنية وصولاً الى القضايا الاجتماعية التي تجاوزت مرحلة الغليان».
توافق «القوات اللبنانية» على الاخطار التي قد تنتج عن الفراغ. لكنها، بحسب مصدر مسؤول فيها ترفض تحميل المسيحيين مسؤوليته. برأي المصدر «المسؤولون هم جزء من المسيحيين وجزء من المسلمين. فحين يوفد العماد ميشال عون من يُفهم المعنيين صراحة انه اما ان يكون هو الرئيس او لا تكون انتخابات او رئاسة، فكيف يمكن توقع الوصول الى توافق وانتخابات؟».
يستفز هذا الطرح مسؤولين في «التيار الوطني الحر». يقول أحدهم «هي نغمة نسمعها كل يوم في سياق محاربة العماد عون ومحاولة إحراجه. هذا لن يكون، لاننا مصرون على اعادة الامور في الجمهورية الى نصابها الصحيح. لا يصبح الخطأ صواباً بتكرار ممارسته وقوله. بالتالي فنحن نمارس حقنا باسترجاع الدولة وإعادة بنائها على اسس متينة وعلاقات واضحة ومحددة، وتحت سقف الدستور والتوافقات الوطنية مع كل مكونات البلد الطائفية والسياسية. سيكون للبنان رئيس متى نضجت التسوية الداخلية اولاً والخارجية ثانياً. ولا شيء يدعو الى التهويل بالفراغ او تخويف الناس من التداعيات الأمنية وغيرها. سيكون لنا رئيس يُعيد لبنان الى حيث نطمح أن نراه».