كان يمكن الكويت ان تكون درّة الخليج سواء بتجربتها الديموقراطية المبكرة في المنطقة او بممارستها الواسعة للحرية في التعبير والممارسة او بما تملكه من ثروة، وبقيادتها التي صانت هذه التجربة، ثم جنّدت العالم لتسقط الغزو الصدامي عام ١٩٩٠، ثم الآن مع الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الساهر على حلّ مسلسل ازماتها، ومنع انزلاقها الى حمّى الفوضى السارية في المنطقة العربية.
خطاب الشيخ صباح الى الكويتيين في ٢٦ حزيران الماضي، شكّل مفترقاً دقيقاً وحاسماً في مسار أزمة سياسية داخلية كان يجب ان تنتهي منذ زمن، كما يشكّل بتراً ضرورياً لحسابات وأصابع خارجية تحاول ان تلعب على مسلسل الخلافات الداخلية العاصفة بالوسط السياسي الكويتي . ما لم يقدر عليه الغزو الخارجي لن تتمكن منه حسابات خارجية مشبوهة التقاطع عند مزيج من أحلام سياسية محمومة وشبابية مراهقة في الداخل، يظن اصحابها ان الكويت يمكن ان تكون لقمة سائغة تشكّل جائزة ترضية بعد مسلسل خسائرهم المتراكمة في الخارج، لهذا كانت رسالة الشيخ صباح القوية والحازمة ثم جاء تحذيره الواضح قبل ايام:
“ان تواتر افتعال الأحداث والأزمات، لا يمكن ان يكون أمراً عفوياً او وليد الساعة بل هو جزء من مخطط مدروس واسع النطاق يهدف الى هدم كيان الدولة ودستورها وتقويض مؤسساتها وزعزعة الأمن والإستقرار فيها وشلّ اجهزتها، والقضاء على القيم والثوابت التي بُني مجتمع الكويت على اساسها ونزع ثقة المواطنين في مستقبل بلدهم واضعاف الوحدة الوطنية، وتمزيقها فئات متناحرة وطوائف متناثرة وجماعات متنازعة لتصبح الكويت فريسة سهلة للحاقدين والطامعين” !
يعرف الكويتيون أهداف التقاطع بين الطامع في الداخل والحاقد في الخارج، ولهذا فإنهم يقفون صفاً واحداً عند صرخة الشيخ صباح وتحذيره من مغبة الإساءة الى سمعة السلطة القضائية وما يشكّله ذلك من خطورة على الأمن ومؤسسات الدولة، وعند تشديده على أن يسود تطبيق القانون على الجميع صوناً وحماية لمؤسسات الدولة الدستورية وللمرافق العامة والخاصة.
هناك معارضة سياسية في الكويت وهناك شباب مندفع، ولكن هناك حسابات تحاول استغلال الطرفين لخدمة خططها التي ترى في الكويت، كما في اي دولة عربية أخرى، مجرد حرف في أبجدية سياستها الشمولية المغلقة. هنا تبدو معالم “المخطط المدروس الواسع النطاق لهدم كيان الدولة” بما ينعكس وبالاً على الجميع بمن فيهم الحاقدون والواهمون والمتحمسون، ولهذا كانت صرخة الأمير: “لا خير في حرية تهدد أمن الكويت وسلامها وتمس احترام القضاء وتتجاوز القانون وتشيع الفتنة والتعصّب وتجلب الفوضى والخراب والدمار”.
ويسألهم: “حماية أمّكم الكويت واجب مقدس، فهل ترضون لها مصيراً مظلماً؟”. لكن الذين أسقطوا الغزو الخارجي لن يعجزوا عن إسقاط غزو داخلي!