لم يعد الوقت بعيداً لترجمة تحذير وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس الذي اعتبر أنّ «النكبة السورية» تجاوزت في تداعياتها على لبنان «نكبة فلسطين»، وخصوصاً إذا نجَحت الضغوط الدولية التي تمارس لتسوية أوضاع عشرات آلاف السوريّين الذين كسروا بطاقات هويّاتهم على الحدود ولا يملكون أيّ وثيقة تُعرِّف عنهم سوى بطاقة اللاجئ.
كثُر الحديث في الأيام الماضية عن حجم أزمة النازحين وكأنّها ولدت أمس، في ضوء حقائق باتت على كل شفة ولسان، وخصوصاً عندما أطلقت الأمم المتحدة إحصائيّاتها الأخيرة عن عدد النازحين تزامناً مع رفض القيادة السورية عبر سفيرها في لبنان أيّ مشاريع تتصِل بإقامة مخيمات بحجة أنّ لهم دولة وسيعودون اليها. وقبل الدخول في المعادلة السياسية برزت الأرقام الجديدة التي تحدثت عن ثلاثة ملايين ونصف المليون مقيم في لبنان من جنسيات مختلفة، من بينهم 700 ألف فلسطيني من مخيمات سوريا ولبنان، وأكثر من 500 الف عامل من جنسيّات مختلفة عربية وآسيوية وإفريقية، و800 الف سوري من العمّال، ومليون و123 ألف لاجئ سجِّلوا لدى مفوضية اللاجئين، وسط توقعات أن يرتفع العدد الى المليون ونصف المليون في نهاية السنة، من بينهم 350 ألف طالب من أصل 700 ألف ستستوعبهم مدارس لبنان.
أمام هذه الأرقام، تقف الحكومة اللبنانية منقسمة على نفسها، وسط سجال مفتوح بينها وبين سابقتها بعد اتهام الرئيس نجيب ميقاتي بتركه ملف النازحين للمؤسسات الدولية بلا تأليف هيئة خاصة تواكبه، تزامناً مع شكوك عبَّر عنها المسؤولون الدوليون بفقدان الشفافية لدى المؤسسات الحكومية وعجزها عن تبنّي خطط وَضعَتها دول الجوار السوري عبر المخيمات بالمواصفات الدولية بدلاً من إقامة آلاف المخيمات العشوائية في لبنان بمبادرات فرديّة بلغت وفق إحصائيات غير موثوقة 1300 مخيم نهاية حزيران الماضي. وقد زاد الانقسام الحكومي الطين بلّة، بين فريق يريد بقاء الملف في يد المؤسسات الدولية (رئيس الحكومة ووزير الداخلية ووزير الشؤون الإجتماعية)، وفريق لا يرى حلاً بلا فتح قنوات الحوار مع النظام السوري، كما يقول وزير الخارجية جبران باسيل الذي يتولّى إجراء الإتصالات مع سفراء الدول الكبرى والمانحة ومعهم السفير السوري بلا إرادة رئيس الحكومة والوزراء المناهضين لأيّ علاقة مع النظام على خلفية النأي بالنفس.
ومن هذه الزاوية، ترتفع نسبة المخاوف على المستقبل ويعزّزها الإهمال الدولي لمطالب لبنان وصولاً الى التشكيك في وجود قرار دولي يُبقي كمّاً كبيراً من النازحين في لبنان تزامناً مع معلومات واردة من سوريا تؤكّد أنّ النظام لا يريد عودة مجموعات عديدة منهم لأسباب طائفية ومذهبية، والحديث عن التنظيم المدني الجديد لريف دمشق ومحيطها الدائري والتدمير الشامل لقرى القلمون وحمص يؤكد استحالة عودة النازحين الى مناطق تغيّرت جغرافيتها تماماً.
تقول روايات سَرت خلال الساعات الماضية إنّ مسؤولين في الأمم المتحدة وديبلوماسيين غربيّين طلبوا من السلطات اللبنانية إصدار وثائق سفر للسوريّين الذين يفتقدون بطاقات المؤسّسات الدولية، أو الذين كسروا هوياتهم عند دخولهم الحدود لتسهيل انتقالهم الى الخارج، الأمر الذي عُدَّ نوعاً من التوطين المبكر.
وإزاء هذه المعلومات، نَفت مراجع معنية أن يكون الأمن العام اللبناني قد تلقى مثل هذه الطلبات، علماً أنّ المديرية هي المرجع الصالح للتعاطي معها أسوة بتعاطيها مع اللاجئين الفلسطينيّين، معتبرة أنّه من المبكر الحديث عن هذا الموضوع وأن لا أساس له من الصحة. وشددت على أنّ المديرية تتعاطى مع كل حالة على انفراد، فلا نظرية ثابتة تحكم الجميع بإجراء موحّد، ولكلّ حالة حلّ، ومَن أراد مغادرة لبنان ويفتقد أيّ شكل من أشكال الإقامة يمكنه الحصول على وثيقة سفر شرط إبراز إفادة عمل مسبقة من الدولة التي سيقصدها وسيكون له ما يريد. والى أن تُحلّ هذه الأزمة سيتحوّل الملف قريباً الى كبريات الأزمات التي تعصف بلبنان.