نكاد نقول أنّ ما حدث في عرسال مطابق لما حدث في مخيّم نهر البارد، بل هو أخطر بكثير مما واجهه الجيش اللبناني في العام 2007، والخطوط الحمر التي خرج أمين عام حزب الله ليضعها يومها في وجهه، فما يواجهه الجيش اللبناني في عرسال اليوم هو «خزّان» من الشحن المذهبي استغرق المشهد اللبناني منذ العام 2006، وزادت حدّته منذ سنوات ثلاث مع تورّط حزب الله من جهة في المعارك الدائرة في سوريا، وتورّط «سلفيّو» الشمال والبقاع من جهة أخرى في حرب الداخل السوري على حدٍّ سواء، لذا فالفريقان حزب الله والسلفيّون المتشددون المتكتلون تحت تسمية العلماء المسلمين، وثالثهما الدولة اللبنانيّة، يتحمّل هؤلاء الثلاثة مسؤولية دماء الشهداء والجرحى و»المفقودين» من أبنائنا في الجيش اللبناني.
ولنبدأ من الدولة العاجزة، التي احتاجت حكومتها إلى 72 ساعة لتعقد جلسة «طارئة»!! وهذا عجزٌ عقيمٌ قديم، منذ 10 نيسان عام 1973 و»عملية هيبي»، ومنذ حاول الرئيس الراحل صائب سلام امتصاص نقمةٍ «نفخ» نيرانها «فلسطينيو» و»شيوعيو» و»ناصريّو» تلك المرحلة في صدور أهل السُنّة فوقفوا إلى جانب التنظيمات الفلسطينيّة ضد جيشهم، وطالب سلام يومها بإقالة قائد الجيش آنذاك ككبش محرقة بعد تنفيذ الكوماندوس الإسرائيلي الإغتيال الثلاثي الشهير في ڤردان.
والدولة العاجزة لم تعطِ الجيش اللبناني قراراً واحداً صارماً ليفرض سيطرته على الحدود الشرقية اللبنانية ـ السورية، هذا أولاً، وثانياً هذه الدولة العاجزة لم تأخذ موقفاً واضحاً ولا موحّداً من موضوع إقامة مخيمات قرب الحدود السوريّة للاجئين السوريين والمندسين بينهم من مجرمين وإرهابين ومخابراتيين، بل تركتهم يتغلغلون في مختلف مناطق المجتمع اللبناني ليرتفع معدّل الجريمة وشبكات الدعارة والإرهاب والبطالة وهلمّ جراً!!
ولسنا محتاجين هنا لإعادة «موشّح» تورّط حزب الله في سوريا وتوريطه للبنان واستدراجه للتفجيرات والاغتيالات والاضطراب الأمني في لبنان، والخطر الأكبر في تورطه كان في إيقاظه شهيّة السلفيّين المتشددين «أبناء فكر تنظيم القاعدة»، وهذه الفئة وجدت ضالتها في حزب الله، فتماهت معه، فهم يقطعون الطريق ويحرقون الإطارات وينصبون الخيام دفاعاً عن متشددين متورطين في معارك عبرا، وفي نقل أحزمة ناسفة وفي زرع الإرهاب في لبنان، ويدّعون أنّهم علماء!!
بالأمس سمعنا نقلاً عن «الدّاعي الشهال» فتوى غريبة عجيبة، والأسوأ أنّ صوتاً واحداً من أهل السُنّة لم يرتفع ليخرسه ويخرس أمثاله إذ «حرّم القتال إلى جانب الجيش ودعا للتصدي لـ»قتلة الإسلام»، «ولك أيّ إسلام»؟! إسلام «داعش والنصرة والقاعدة وبوكو حرام وأنصار الشريعة»، هذا ليس إسلامنا، هذا إرهابٌ صهيوني «موصوف»، كان يفترض بالمعني القضائي أن يُصدر قراراً قضائياً بالتحقيق مع الشهّال لخطورة كلامه في «كلّ توقيت» على وحدة لبنان وسلمه الأهلي وإبقائه قيد التوقيف، وتوقيف كلّ من يتظاهر تأييداً له وضدّ توقيفه!!
الخطأ نفسه ارتُكِبَ بالأمس، فأحداث نهر البارد ما زالت حاضرة في الذاكرة، وتورّط بعض «المشايخ» في تهريب شاكر العبسي، واستقبال مشايخ دار الأرقم في صيدا لـ»أمّ حسين» ـ ما غيرها زوجته التي تعرّفت على جثّته من شعر صدره ـ استقبال «الملكات»، باعتبار أنها «حُرمة الأمير شاكر العبسي»، ظلّ المشايخ يدخلون ويخرجون للوساطات، هل تتذكرون؟! بالأمس تكرّر نفس المشهد، ولا نفهم كيف قبلت قيادة الجيش اللبناني وساطة شيخ يمضي وقته في التهجم على الجيش اللبناني وعليها وفي تخوينها وتهديدها، بل أكثر من ذلك كيف قبلت القيادة وساطة سالم الرافعي الذي صدر عن «هيئة علمائه» بالأمس بيان تهديدي يدعو» كافّة أهل السُنَّة في مختلف المناطق اللبنانية إلى النزول إلى الشوارع الساعة السادسة من مساء هذا اليوم وإقامة اعتصامات شعبية»!! هؤلاء ـ بدّن ما يواخذنا ـ من شدّة تأثرهم بحزب الله والتكليف الشرعي، ظنّوا أن أهل السُنّة «يُزقّون زقّاً بالبواسط» لعرض العضلات وإظهار الكثرة!!
الجيش اللبناني فوق كلّ وأيّ اعتبار، بصرف النظر عن كلّ الملاحظات المحقّة وغير المحقّة، ليس هناك ناس بلا أخطاء، وقيادة الجيش أهلٌ وثقة، والكلام الذي يصدر ليغمز من قناتها من هنا وهناك لا قيمة له، فالوقت حَرِجٌ جداً، ولبنان؛ قبل سوريا وقبل غزة وقبل الموصل وقبل إيران، وأمنه وأمانه وسلامة أراضيه قبل وفوق الجميع، رحم الله شهداء الجيش وشفى جرحاه وردّ مفقوديه، ونصر جنوده في معركتهم ضد الإرهاب الآتي من حدود نظام الإرهاب العالمي، وحفظ لبنان وشعبه من مشايخ «القاعدة وداعش»، وأراحنا منهم ومن «فتاويهم» التي تسعى لتخريب لبنان وتقسيمه.