كان من المفيد والضروري بالنسبة الى مصادر وزارية وسياسية ان يعمد مجلس الوزراء الى انهاء ظاهرة ما يسمى “وثائق الاتصال ولوائح الاخضاع” الامنية لدى مخابرات الجيش او الصادرة عن الامن العام والتي كانت معتمدة زمن الوصاية السورية في استدعاء المواطنين. فالخطوة مهمة في ما تعنيه من نفض لوصاية امنية لا تزال تكبل لبنان وتتحكم بمفاصل عمل اجهزته الامنية. ويقال ان قوى 8 آذار تجاوبت معها وهي المقترحة من وزير الداخلية ومنسقة مع الاجهزة الامنية نظرا الى انها لا تشمل مجموعة كبيرة من المطلوبين في طرابلس فقط بل تصيب أيضاً البقاع واللبنانيين الذين يأتون من الخارج وكانوا يتعرضون للابتزاز ولا سيما منهم من افريقيا حيث الغالبية من ابناء الطائفة الشيعية. ولعلها خطوة تأخر اتخاذها نسبة الى الاوضاع القاسية والدرامية التي مر فيها لبنان بعد انسحاب القوات العسكرية السورية من لبنان نظرا الى ما تكتسبه من بعد سياسي واثر نفسي في الوقت نفسه. هذه الخطوة غطت على ما يعتبره البعض انجازا في ملف الجامعة اللبنانية علما انه بالنسبة الى كثر لا يمكن اعتباره كذلك بأي من المقاييس الموضوعية في ظل المحاصصة الفاضحة التي طبعته والتي قفزت بارقام الاساتذة الى اكثر من ضعف ما كان مقررا في الاصل بذريعة ان الجامعات تفرز عادة استاذا لكل 30 طالبا والجامعة اللبنانية تريد استاذا لكل 25 طالبا، كأن الجامعة وطلابها في اولى سنوات الحضانة حيث يحتاجون الى عناية متزايدة من اساتذتهم. هذا المنطق هو الذي واجه به وزير التربية المعترضين على تضخيم ملفه في وقت يقر وزراء ان الوزير ارتبك في مقاربة متعجلة وغير صحيحة لهذا الملف وبات يحتاج الى مخرج يتردد ان كلا من الحزب الاشتراكي وفره له في الساعات الاخيرة في جهد معلن لئلا يتحول مجلس الجامعة الى مجلس ملي وكذلك الامر بالنسبة الى الوزير السابق سليمان فرنجيه الذي سهل للوزير تمرير مشروعه.
واقع البلد لا يسمح بمقارنته لا بسويسرا ولا بأي دولة من الدول المتحضرة حيث يتولى اهل الكفاية كائنا من كانوا بغض النظر عن طائفتهم مناصب يستحقونها وليس وفق كوتا مذهبية او طائفية لا تأبه للاهلية او تجعلها من اولوياتها. فلا اوهام بان لبنان يمكن ان يكون غير ما هو عليه لدى احد وهذا يعرفه القاصي والداني وهو امر ليس جديدا بدليل ان المستقلين من اللبنانيين والكفايات يهاجرون بعيدا من الاستزلام السياسي او الطائفي الذي يخضعهم لقواعده. كان ينقص منطق المحاصصة المكشوفة في ملف الجامعة اللبنانية مبررات تتصل بالازمة التي يواجهها لبنان بشغور موقع الرئاسة الاولى وعجز مجلس الوزراء عن بت أي قضايا خلافية في الوقت الذي يواجه البلد ازمات اجتماعية ومعيشية واقتصادية عدة وعدم جواز نقل الخلافات خارج مجلس الوزراء الى طاولته للآثار السلبية الكبيرة على الوضع الداخلي. وتاليا فان انجاح أي مشروع وفق محاصصة حادة يتم التمسك به ايا كان الثمن من اجل خرق الجمود على امل ان تكون القرارات المتخذة جسر عبور الى حلول مستقبلية لمسائل اخرى على غرار الآمال التي احياها الاتفاق على ملف الجامعة. اذ بدا تبعا لذلك ان ثمة ما يتحرك على صعيد ايجاد حلول لسلسلة الرتب والرواتب بعد عيد الفطر بما يمهد لان يفتح مجلس النواب جزئيا ابوابه ويقر مجموعة ما يحتاج اليه لجهة التصويت على الاجازة للحكومة اصدار الاوروبوند. وهو امر يساهم في حلحلة العلاقات بين القوى السياسية في ظل جمود سياسي يحكمه العجز عن الذهاب الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية او الى الاستعداد الى خوض انتخابات نيابية جديدة.
كما كان ينقص منطق المحاصصة مبررات اقليمية يثيرها البعض في معرض الاحتجاج على منطق المحاصصة الفاضح في ملف تفريغ اكثر من الف من اساتذة الجامعة في استذكار ان الازمة التي يواجهها حكم نوري المالكي في العراق او حكم بشار الاسد في سوريا ترتكز في جوهرها وان كانت لكل منهما اسبابه الكثيرة ان الاثنين تسببا بما وصل اليه كل من العراق وسوريا بسبب الاستئثار واقصاء الآخرين في وقت ان مشاريع الحلول السياسية المطروحة على كل منهما تعرض المحاصصة الطائفية تحت عنوان الشركة الضرورية والحتمية في ظل الانظمة الطائفية المعمول بها والتي تترجم عمليا باقتسام الحصص على كل الصعد المؤسساتية والوطنية. علما ان ليس منطق الحصص او الشركة هو المرفوض انما شرط ان يكون وفق قواعد مدروسة لا تشكل عبئا لا على المؤسسات ولا على الدولة ان اقتصاديا او ماديا او معنويا وفق ما يخشى ان الجامعة اللبنانية باتت عليه شأنها شأن كل مؤسسات الدولة الرسمية في الوقت الذي ينبغي ان تتمتع بكيان مختلف يحفظ للمؤسسة هيبتها وصدقيتها ويحترم عقل المواطنين.
يقول معنيون ان توافق القوى السياسية على صفقات المحاصصة ايا تكن طبيعتها تظهر ان البلد لا يزال بخير على رغم المخاطر المحدقة به اذا كانت قواه السياسية لا تزال تحاصص في مسائل تسيير عجلة الدولة وشؤون الناس، ولو ان الكثير من الازمات تبدو مضخمة جدا في نهاية الامر من اجل الوصول الى مقايضات يحصل فيها كل فريق على ما يريده في تعزيز حصصه وموقعه تحت شعار خدمة الناس ومصالحهم. هو المنطق نفسه الذي يدفع غالبية المواطنين الى اليأس من مؤسسات الدولة وعقمها.