مع تحوّل الأنظار من سوريا إلى العراق بفعل تمدُّد «داعش» السريع في مناطق واسعة فيه، وما استدعاه إعلان قيام «الخلافة الإسلامية» من استنفار دوليّ وإقليمي، وفي موازاة بقاء تطوّرات المنطقة مفتوحةً على كلّ الاحتمالات، ظلّ الأمن في لبنان الخائف من ارتدادات الهزّات الأمنية الخارجية عليه، العنوانَ الأوّل بلا منازع، في ظلّ غياب أيّ مؤشّر إلى خرقِ الجمود السياسي الحاصل وتقصير أمَد الشغور الرئاسي، حيث من المقرّر أن تلقى الجلسة الانتخابية التاسعة التي حدّدها رئيس مجلس النواب نبيه برّي بعد ثلاثة أسابيع، أي في 23 تمّوز المقبل، مصيرَ سابقاتها، بعدما غابَ نصاب جلسة الأمس، فيما كانت مبادرة رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون محَطّ رفضِ نوّاب تيار»المستقبل» و»القوات اللبنانية»، بينما دافعَ عنها نوّاب «التكتّل».
علمَت «الجمهورية» أنّ قضية انتخاب رئيس جمهورية جديد لم تعُد أولوية خارجية في الوقت الحاضر، وأنّ المحرّكات الدولية للدفع في هذا الاتّجاه قد أُطفِئت راهناً، وبات التعاون اللبناني ـ الدولي يتركّز على مواجهة الإرهاب.
في الموازاة، أكّدت مصادر بكركي لـ»الجمهورية» أنّها «كانت تراهن على جلسة اليوم (الأمس) من أجل حصول تغييرٍ ما في مواقف النواب المسيحيين المقاطعين للجلسة، لكنّهم خيّبوا الآمال»، ورأت أنّ «مهمّة انتخاب الرئيس باتت أصعب بكثير بعد اليوم، لأنّ المعطيات الداخلية سيّئة، كذلك فإنّ الخارج مشغول بالملفّ العراقي، وغير مهتمّ بالشأن اللبناني، من هنا انخفضَ منسوب التفاؤل لدينا، وسط عدم القدرة على جمع الزعماء المسيحيّين الأربعة».
إجتماع أمني
في غضون ذلك، حضرَ الوضع الأمني في اجتماع عُقد في السراي الحكومي عصر امس برئاسة رئيس الحكومة تمّام سلام وحضور وزيرَي الداخلية والدفاع وقادة الاجهزة الامنية والمسؤولين القضائيّين المعنيّين.
وأجرى المجتمعون تقويماً للوضع الأمني، وأشاروا إلى دقّة الوضع وضرورة التنبُّه لأيّ مخططات مشبوهة تريد الشرَّ للبنان، ودعوا اللبنانيين الى الثقة بجيشهم وقواهم الأمنية وبقدرتها على إحباط أيّ مخطط يهدف الى ضرب سلمِهم الأهلي ووحدتِهم الوطنية.
وشدّد المجتمعون على أهمّية تضافر جميع الجهود لتجنيب لبنان تداعيات الاحداث في المنطقة. كذلك أكّدوا عدمَ التهاون مع الإرهاب تحت أيّ عنوان كان، معتبرين أنّ هذه الظاهرة طارئة على اللبنانيين ولن تجدَ لديهم أيَّ تعاون أو احتضان.
وأكّد المجتمعون الحفاظَ على أقصى درجات التأهّب في صفوف الجيش والقوى الأمنية، واستمرار التنسيق بين الأجهزة، والمضيّ في تنفيذ الخطط الأمنية المقرّرة.
وأعلن وزير الدفاع سمير مقبل أنّ الخطط الأمنية ستنفَّذ في جميع المناطق، وقريباً في بيروت، وكشفَ أنّ الأجهزة الأمنية اللبنانية تدرس إمكانية التنسيق مع الجهات الفلسطينية داخل المخيّمات.
مصادر أمنية
وقالت مصادر أمنية لـ»الجمهورية» إنّ الاجتماع اﻷمني ركّز على سُبل تفعيل التنسيق بين اﻷجهزة اﻷمنية وتفادي أيّ تداخل في التحرّكات يمكن أن ينتج عن منافسة تتعلق بملاحقة الشبكات اﻹرهابية. كذلك ركّز المجتمعون على أهمّية تبادل المعلومات بين اﻷجهزة وتنسيق تحرّكاتها وبياناتها، وﻻ سيّما في القضايا التي يعمل عليها أكثر من جهاز، ﻷنّ بعض الخطوات قد تؤدّي إلى نتائج عكسية يستفيد منها اﻹرهابيّون، وقد حصل أمر كهذا في قضية فندق «دو روي»، ما أدّى إلى عدم استكمال مهمّة ملاحقة المدعوّ المنذر الحسن، مزوِّد اﻹرهابيّين بالمتفجّرات، وبالتالي إلقاء القبض عليه.
وتحدّثت المصادر عن تبنّي آليّة للتعاون بين اﻷجهزة اﻷمنية، وستُسفر عن نتائج إيجابية في اﻷيام المقبلة في مسألة ملاحقةِ الشبكات اﻹرهابية التي تحاول كما يبدو التغييرَ في طريقة عملها وتحرّكها، وﻻ سيّما بعد انكشاف خليّة «دو روي».
وأكّدت المصادر اﻷمنية نفسُها أنّ قادة اﻷجهزة ركّزوا على أنّ منسوب الخطر المتعلق بلبنان لم يتراجع ولن يتراجع في القريب العاجل طالما إنّ المحيط ما زال مشتعلاً. ولذلك فإنّ كلّ المعلومات التي وردَت أو التي سترِد عن سيارات مفخّخة وانتحاريين ﻻ يمكن تجاهلها، وبالتالي فإنّ حال الوعي والجهوزية يجب أن تبقى مسيطرةً لكشفِ ما تُخطّط له هذه المجموعات بعد كشفِ خليّة «دو روي».
ضبط «الفَلتان الإعلامي»
بدوره، أوضحَ أحد المشاركين في الاجتماع لـ»الجمهورية» أنّ البحث تركّز حول التطوّرات التي شهدها لبنان أخيراً، وصولاً إلى المداهمات في الطريق الجديدة ومحيطها، والأحداث الأمنية التي شهدَها مخيّم شاتيلا وباقي المخيّمات، إضافةً إلى التهديدات الأمنية الجدّية باستهداف بعض المواقع الأمنية والعسكرية والضاحية الجنوبية.
وأشار إلى تشديد رئيس الحكومة ومعه وزيرا الداخلية والدفاع، على ضرورة ضبط «الفلتان الإعلامي» على وقعِ التوتّرات الأمنية، فهو يزيد من مخاطرها على القوى الأمنية ويسهّل على المطلوبين الفرارَ والاختباء. وتمنّى على وسائل الإعلام الإنضباط، خصوصاً في العمليات التي تستهدف أشخاصاً مطلوبين والمجموعات الإرهابية التي يمكن أن يؤدي الكشفُ عن أسمائها إلى اختباء أو اختفاء المتعاونين معها بفقدان عنصر المفاجأة.
وتزامُناً مع التشدّد الإعلامي، كان تفاهمٌ على وقف التسريب الإعلامي من جانب القوى الأمنية والعسكرية، وتحديداً في التوقيت الخاطئ الذي يمكن أن ينعكس على نتائج أيّ عملية عسكرية تجري في منطقة حسّاسة.
مداهمات
وفي المعلومات التي تمّ تداولها في الاجتماع أنّ وحدات الجيش ألقَت القبضَ في منطقة الطريق الجديدة ومحيطهاعلى شخص يُعتقد أنّه من جنسية غير لبنانية وبرِفقته سيّدة لبنانية من آل دمشقية، نتيجة المداهمات بحثاً عن مطلوبين وللتثبُّت من وجود مطلوبين كانوا في مناطق محدّدة. وحتى مساء أمس كانت التحقيقات جارية للتثبُّت من حجم تورّطهما في عمليات أمنية وسط تكتّم على الهوية الحقيقية للموقوف.
وتبلّغَ المجتمعون خلال الاجتماع بنتيجة عمليّات الدهم التي شهدَتها منطقة البقاع، ولا سيّما بلدة بوداي، والظروف التي قادت الى المواجهة بين مطلوب متورّط في عملية قتل مؤهّل في قوى الأمن الداخلي رقِّي إلى رتبة ملازم بعد الإستشهاد قبل سنتين، وأعمال أمنية أخرى أدّت إلى إصابة المقدّم فادي الحلّاني ومؤهّل من الدورية بجروح طفيفة.
الوضع تحت السيطرة
وأكّد قادة الأجهزة الأمنية أنّ الجهوزية الأمنية عالية، والقوى الأمنية مستعدّة لكلّ الإحتمالات، وأنّ الوضع الأمني، على رغم حجم المخاطر المتوقّعة، تحت السيطرة، خصوصاً في المناطق التي وُضعت تحت المراقبة المشدّدة، كذلك بالنسبة الى حركة المشبوهين في أيّ منطقة وُجِدوا.
المشنوق
ولفتَ وزير الداخلية المجتمعين إلى أنّ الخطة الأمنية لمدينة بيروت ستنطلق مباشرةً بعد انتهاء شهر رمضان، وربّما حدّدت ساعة الصفر عشيّة العيد، ليتمكّن اللبنانيون من تمضية أيام العيد بهدوء.
وفي جانب من اللقاء استمعَ المجتمعون الى حصيلة التحقيقات في الأعمال الإرهابية الاخيرة، وخصوصاً تفجير الطيّونة والتفجير في فندق «دو روي» وما انتهت اليه التحقيقات، في انتظار ما ستُظهره الإستنابات القضائية التي صدرت للتوغّل في بعض الجوانب الغامضة في التحقيقات بحثاً عن باقي المتورّطين في العمليات، ومعهم المخطّطون والمحرّضون وأولئك المرتبطون بهذه الشبكات، وهم ما زالوا طليقين أحراراً.
قهوجي
وكان قائد الجيش العماد جان قهوجي طمأنَ قبيل دخوله الاجتماع، إلى سلامة الوضع الأمني، موضحاً أنّ «عمليات الدهم التي تحصل في الطريق الجديدة مترابطة مع بعضها، ضمن الخطة الاستباقية التي تقوم بها الاجهزة الامنية لكشفِ الخلايا الإرهابية».
رفض كتائبيّ
وعشية جلسة مجلس الوزراء التي تُعقد قبل ظهر اليوم في السراي الحكومي، كشفَت مصادر وزارية لـ»الجمهورية» أنّ بعض الوزراء، ومنهم وزراء الكتائب، سيؤكّدون رفضَهم «للتراخيص العشوائية» الخاصة بـ»تفريخ» جامعات خاصة، كما بالنسبة الى الإتفاقيات الثنائية والثلاثية التي كرّست تقاسماً غيرَ طبيعي للمواقع والتعيينات على مستوى العمداء والفروع في الجامعة اللبنانية، إضافةً إلى رفض تثبيت غير المستحقّين من أساتذتها.
قزّي
وفي هذا السياق، قال وزير العمل سجعان قزّي لـ»الجمهورية»: «إنّ ما يهمُّنا هو أن تشهد جلسة مجلس الوزراء إقرارَ عدد من مشاريع القوانين الضرورية، وعدم طرح مشاريع قوانين ومراسيم يمكن أن تثير خلافات، ونحن كوزراء حزب الكتائب سيكون معيار قبولِنا بأيّ أمر على الصعيد التربوي هو الكفاءة ورفع مستوى التربية والتعليم، لا المحاصَصة والطائفية والسياسية».
الجامعة اللبنانية
وفي هذه الأجواء جدّدت المصادر التأكيد على ما نشرَته «الجمهورية» أمس بأنّه ليس هناك أيّ تفاهم يمكن أن يؤدي الى البَتّ بملف الجامعة اللبنانية وتعيين العمداء، كما البَتّ بملف التفرّغ في جلسة مجلس الوزراء اليوم، باعتبار أنّ الأمر غيرَ مطروح على جدول الأعمال وليس من السهل القبول بطرحه من خارج الجدول، سواءٌ تمّ ذلك من قِبل رئيس الحكومة أو وزير التربية، قبل التعمّق في بحث ما هو مطروح بالأسماء توصُّلاً إلى تفاهم شامل لم يتحقّق بعد إلى الأمس القريب.
وكانت مصادر وزارية قالت إنّ المناقشات الأخيرة أثببتَت أنّ كلّ الاعتراضات جاءَت من قِبل تيار «المستقبل»، وقد سُوِّي الأمر بين وزير التربية والرئيس السنيورة، لكنّ مصادر أخرى قالت إنّ الملاحظات ليست مطروحة من جانب «المستقبل» فحسب، لا بل كانت هناك اعتراضات من أطراف أخرى ما زالت قائمة.ش