لم يأتِ السفور والعري التامّان في آليات القتل والسفك في سوريا ثم في العراق إلاّ من سفور وعري تامّين في لغة وحيثيات ومضامين وعناوين وتفاصيل المشروع الإيراني الجامح لبناء أمبراطورية قومية مغلّفة بستار مذهبي على أنقاض الاجتماع العربي ودُوَلِه ومؤسساته.
سفور في اللغة ما عاد أصحابها يهتمون بتلوينها وتمويهها أو بتزويقها وبرْقَعَتِها ببراقع وشعارات تضمر عكس ما تفصح! هكذا بالحرف أُبلغ العرب والمسلمون بالأمس أن كل مستجدات نكبة العراقيين وتفاصيلها المرعبة في الأنبار ليست في المحصلة سوى ضربة لإيران! وأنها ستردّ عليها وفق منظومة سياسية عسكرية مترابطة تبدأ بالتمسك بنوري المالكي وتنتهي بدبّ النفير المذهبي! لضرب «داعش» و«البيئة الحاضنة»؟! وان الآليات التي ستعتمد لن تعني انخراطاً مباشراً لطهران طالما أن الامر يتم بواسطة «ملائكتها» (هكذا بالحرف) أي بواسطة التشكيلات القتالية العراقية واللبنانية والأفغانية الدائرة في الفلك السياسي والديني ذاته..
ولأن الأمر جلل وعلى ذلك القدر من الثقل والوطأة، فإن الصورة الأمثل لشرح معانيه وتقديمها للعموم لا تكون سوى بتذكّر 5 أيار 2008 في لبنان! بحيث إن إيران «شعرت» بعد تطورات الأنبار والموصل بالأمس بما «شعر» به «حزب الله» في 5 أيار 2008 في بيروت تماماً بتاتاً!
والمقارنة فظيعة. حيث يستبطن الإسقاط في التاريخ إسقاطاً في التوصيف ومع مفعول رجعي! باعتبار أن قوى 14 آذار وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة آنذاك اتُهمت بكل ما في المخزون القتالي التخويني الممانع من مصطلحات.. لكن فات أصحاب ذلك المخزون التوصيف التكفيري! فاقتضى اليوم تصحيح الرمي وتحديث البرنامج وتقريبه من اللحظة الراهنة وعناوينها. وأبرز تلك العناوين ليست سوى «داعش» نفسها! أي أن سعد الحريري وأمين الجميل وسمير جعجع وفارس سعيد والسنيورة، كلهم ومن معهم في الوطن والمهجر، هم في حقيقة الأمر والبيان الممانع «داعشيون» منذ طفولتهم! كانوا كذلك في 5 أيار 2008 ولا يزالون. فاقتضى التوضيح!
وفي واقع الأمر، فإن قوى ذلك المحور (الممانع سابقاً!) تعلن بفصيح البيان وبأكبر قدر ممكن من الوضوح ومن دون أي مواربة، أنها صارت محوراً مذهبياً وأنها دخلت في حرب صافية على ذلك الأساس ولم تعد معنية بعد اليوم بأي كلام آخر. لا بقصة «المقاومة» ولا الممانعة ولا بقصة مواجهة مؤامرات الشياطين الغربيين، ولا بنكتة «وحدة الأمة» ولا بأنشودة «الصحوة الإسلامية» ولا بروايات الخيال السياسي المشتملة على أهازيج مواجهة مخططات تدمير المنطقة ونهب خيراتها وضمان أمن إسرائيل، وما الى غير ذلك من خبريات وسوالف مماثلة.. انتهى الأمر. ودخلنا في تطور يُعتدّ به خصوصاً وأنه أنهى التزوير والتفنيص والتشبيح وباشر العري والسفور وبقيادة إيرانية مباشرة ومُعلنة!
.. ومع ذلك، يتهم السيد المالكي السعودية بـ«التدخل في العراق» وبـ«دعم الإرهاب»!