المخاوف إلى ذروتها من تغييرات ديموغرافية إقليمية تهجير المسيحيين بين القصور الدولي والتوظيف المذهبي
بين الانشغالات الدولية بالحرب الاسرائيلية على غزة والتي حظيت بكل المتابعة في الايام الاخيرة من اجل وقف النار والاهتمام بمسائل دولية بتبعات خطيرة كاسقاط الطائرة التجارية الماليزية فوق اوكرانيا، لم تجد مطالبة تنظيم داعش وتخييرهم المسيحيين في الموصل بين تغيير دينهم او المغادرة استنكارات دولية توازي الخطورة التي تتسم بها هذه الخطوة. فحتى الان كانت كل التوقعات والمخاوف تدور حول الصراع السني الشيعي المحتدم في المنطقة ومن ان يذهب المسيحيون وسائر الاقليات ضحيته كاضرار “جانبية” محتملة الى درجة استخدم هذا العامل في بروباغندا النظام السوري في احد تبريرات حتمية استمراره فيما نجحت هذه المقاربة مع الدول الغربية التي بررت عدم الاندفاع في اي عمل جدي لدفع بشار الاسد للتنحي ان الاقليات بما فيها الاقليات المسيحية تقف الى جانبه. في العراق، التي غادرها قسم كبير من المسيحيين بعيد الاحتلال الاميركي ودورات العنف التي حصلت ضدهم نتيجة فتح دول عدة ابواب الهجرة امامهم ما ادى الى مغادرة عدد كبير منهم العراق، تختلف المقاربة او تبدو كذلك على الاقل في المواقف الدولية التي لم يعلن اي منها ادانة او استنكاراً لما حصل مع مسيحيي الموصل الذين هجروا مدينتهم الى المناطق الكردية مجردين من كل املاكهم، كما لم يعلن اي موقف يتخوف من تبعات هذه الخطوة واثرها المحتمل على المسيحيين الآخرين في المنطقة، او يطلب مساعدة الدول المؤثرة في لجم هذا المنحى، اقله علنا. وذلك في الوقت الذي تبدو الجهود الدولية العلنية مهمة على هذا الصعيد اولا لاعطاء الانطباع لهؤلاء بانهم ليسوا متروكين لمصيرهم من دون اي اهتمام، وثانيا بان هناك خطوات للمعالجة او لوضع حد لما يحصل واعادة الثقة بانه سيكون لهم موقع قدم في بلادهم تحت وطأة اندفاعهم كخطوة ثانية الى مغادرة العراق نهائيا انقاذا لعائلاتهم ومستقبل اولادهم. اللهم ما لم تكن الخطوة التالية للجهود الدولية فتح باب الهجرة امام هذه العائلات العراقية مجددا.
في التقرير الذي اعلنته الامم المتحدة في جنيف يوم الجمعة الماضي في 18 الجاري والمتعلق بحماية المدنيين في الصراع العسكري الجاري في العراق، الذي يتناول التطورات خلال شهر اي بين الخامس من حزيران الماضي والخامس من تموز الجاري، ثمة تفاصيل كثيرة تشير الى ما ارتكبه تنظيم داعش وما ارتكبته قوات النظام العراقي او الميلشيات التي دفع بها الى الواجهة، هي تشمل في خلاصتها اعتداءات على الطوائف اليزيدية والتركمانية وعلى المسيحيين والتي بدأت منذ اكثر من شهر كما على الاولاد والنساء في شكل خاص. ويخلص التقرير الى ان اكثر من مليون و200 الف عراقي تم تهجيرهم داخل الاراضي العراقية نفسها هذه السنة بمن فيهم 600 الف خلال شهر حزيران وحده. ولذلك يبدو تهجير المسيحيين او الاعتداء عليهم جزءا من النزاع الاهلي الدائر في العراق تماما على غرار التقارير التي تصدر عن المنظمات الدولية في شأن الحرب الاهلية في سوريا، مع تحميل الجهتين المسؤولية اي السلطات ومعارضيها والحض على حل سياسي يعتقد انه لا يزال في متناول اليد في العراق اكثر منه في سوريا وفقا لوصفة الحض دوليا على تأليف حكومة وحدة وطنية تحترم كل الطوائف، وانصاف السنة والاكراد جنبا الى جنب مع الاستغناء عن نوري المالكي في رئاسة الوزراء لولاية ثالثة. ولا تنفي مصادر ديبلوماسية ان عمليات التهجير القسرية التي حصلت في سوريا والتي حصلت وتحصل في العراق تفيد بعض الجهات المتصارعة سياسيا وعلى اكثر من صعيد، بحيث تستفيد مما يجري وتوظفه لمصالحها في شكل او في آخر كما حصل بالنسبة الى النظام السوري الذي لا يزال يستخدم مقولة حماية الاقليات في وجه تنظيمات اصولية مثل داعش او التنظيمات المماثلة، وان كانت تقارير كثيرة تتحدث عن مسؤوليته المباشرة في نشأة هذه التنظيمات في الاساس. وهي سياسة نجح بها مع الاقليات السورية والتي قدم لها الحماية فعلا حيث بعض القرى او الاحياء المسيحية المحايدة او المختلطة مع اقليات اخرى كما استخدمها حليفه الروسي في الترويج لمساعدته على البقاء في السلطة. وهذا المنطق سرى ايضا لدى افرقاء لبنانيين روجوا ايضا له وتبعا لاصطفاف المحاور السياسية القائم في لبنان على قاعدة الترويج للتمسك ببشار الاسد ورفض اي بديل له على هذا الاساس.
الا ان هذه المصادر تقر، في الوقت نفسه، بان عمليات التهجير القسرية مثيرة لمخاوف كثيرين على وقع خرائط حدودية جديدة وتقسيمات باتت ترتسم في المنطقة وتحمل معها تغييرات ديموغرافية كبيرة وبانعكاسات خطيرة. وفيما لا توجد اجابات مقنعة لدى الدول الكبرى المؤثرة عن جهود جدية لمنع ذلك او الوقوف ضده في ظل صراع سياسي وطائفي اقليمي لا يزال يأخذه مداه من دون افق لحلول قريبة، بحيث تخفف هذه المخاوف او تسخفها، فان كل الخشية على المفاعيل المعنوية والنفسية والعملانية طائفيا في المنطقة لموجة التهجير المسيحية اكثر من غيرها من جهة، كما لمفاعيل الحمايات السياسية التي تعرض ايضا على الاقليات في المنطقة من جهة ثانية. وهي مفاعيل، تقول هذه المصادر، ليست بعيدة عن التوظيف في الصراع السياسي القائم في لبنان ايضا، ولو ان الطوائف اللبنانية كلها لا تزال تؤكد اهمية العيش المشترك والعنصر المسيحي الراسخ والمهم في وجود لبنان.