IMLebanon

المسؤولية ليست على الموارنة

يستمر اتهام المسيحيين، وخاصة الموارنة منهم، بالتخلي عن الميثاقية بسبب موقفهم الذي يشترط التشريع واستمرار العمل الحكومي للحاجة الوطنية فقط ورفض العمل وكأن ليس هناك شغور في رئاسة الجمهورية. كذلك، يُتهم الموارنة بأن عدم اتفاقهم وانعدام الحوار بينهم يولد الشغور في الرئاسة الأولى. هذه الاتهامات تتناقض مع ما شهده لبنان وخبره في ما يتعلق بالميثاقية منذ انتهاء الوصاية السورية عليه في نيسان العام 2005، ويتناقض مع ما يتعلق بانتخابات الرئاسة منذ الاستقلال.

÷ أبدأ بالتخلي عن الميثاقية: المشهد الأول في أواخر العام 2005 عندما استقال وزراء الطائفة الشيعية من الحكومة واستمر العمل حسب القانون بالرغم من أنه يعاكس البند (ي) من مقدمة الدستور التي تشدد على أنه «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك». وبالمقابل أقفل رئيس مجلس النواب أبواب المجلس مصراً على أن المجلس لن يشرّع بغياب حكومة غير ميثاقية.

وأصدرت حكومة الرئيس السنيورة بين كانون الأول 2006 وتشرين الثاني 2007، عشرات المراسيم، كما أبرمت معاهدات دولية، وكل ذلك من دون توقيع رئيس الجمهورية. ومع استمرار الحكومة بأعمالها في خلال شغور مركز الرئاسة، اعتمد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة سابقة وطنية جامعة تقضي بأن مجلس الوزراء مجتمعاً يملأ الشغور في الرئاسة، وكانت المراسيم توقع من كل أعضاء مجلس الوزراء الثمانية عشر الذين لم يستقيلوا.

والمشهد الآخر للتخلي عن الميثاقية بدأ العام 2013 بعد استقالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في شهر آذار. توقف وقتذاك التشريع بعدما قاطع نواب تكتل 14 آذار جلسات مجلس النواب، فشُلّ المجلس إلى حين تشكيل وزارة الرئيس تمام سلام في شباط 2014.

بالخلاصة، يطلب المسيحيون، أولاً بشأن العمل الحكومي، من الرئيس تمام سلام بأن يقبل اليوم بما طبّقه الرئيس السنيورة من تشرين الثاني 2007 إلى أيار 2008، أو اعتماد آلية جديدة مشابهة تقبل بها الأطراف المختلفة. وثانياً من ناحية التشريع، يطلب المسيحيون أقل بكثير مما قام به النواب الشيعة العام 2006 ـ 2008 بإقفال مجلس النواب، وما قام به النواب السنة العام 2013 بالامتناع من حضور الجلسات ووقف التشريع. يطلب المسيحيون أن يستمر التشريع خلال مدة الشغور الرئاسي على أن يقتصر على الحاجات الوطنية الرئيسية وحسب.

÷ ثانياً، مَن المسؤول عن الشغور الرئاسي؟ منذ الاستقلال وانتخاب الرئيس بشارة الخوري في أيلول 1943 إلى حين انتخاب الرئيس رينيه معوض في تشرين الثاني 1989 والمسلمون يرجحون كفة أحد المرشحين الموارنة، فلم يحصل مرة وفاق ماروني على مرشح وفرض على الطوائف الأخرى. وحتى في خضم الاحتلال الإسرائيلي كان مستحيلاً انتخاب الشيخ بشير الجميل رئيساً للجمهورية من دون تأييد إسلامي واسع قاده رئيس مجلس النواب يومذاك، الراحل كامل الأسعد. بالإضافة إلى كل ذلك، لم تختر القيادات الإسلامية أي اسم من اللائحة التي قدمها البطريرك نصرالله صفير في كل من العامين 1988 و2007، وكان ذلك تباعاً بطلب من الرئيس المرحوم رفيق الحريري ووزير خارجية فرنسا وقتذاك برنار كوشنير (يطلب من القيادات الإسلامية).

لذلك، فإن التلطي وراء «حق المسيحيين» باختيار الرئيس هو إما وهم أو يغطي أمراً ما. إن رئاسة الجمهورية منذ الاستقلال كانت وما تزال حق اختيار لكل اللبنانيين من دون تمييز طائفي أو مذهبي. وكانت كذلك رئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب قبل الطائف.

كان يترشح اثنان أو أكثر لرئاسة الجمهورية ورئاستي مجلسي النواب والحكومة وكان اللبنانيون يختارون بين المرشحين لهذه المناصب بواسطة نوابهم. لكن الفرق بين الأمس واليوم هو شكل تمثيل الطوائف في مجلس النواب. فقبل عهد الوصاية السورية كانت الطوائف اللبنانية الكبرى والصغرى تتمثل بكتلتين أو أكثر مما يسمح لمجلس النواب مجتمعاً بانتخاب رئيسه ورئيس الجمهورية واختيار رئيس الحكومة. أما اليوم، فالأحادية في التمثيل النيابي عند الطوائف الإسلامية لا تسمح بانتخاب أي من الرؤساء الثلاثة بالطرق الديموقراطية. الطائفة الشيعية تعين رئيس مجلس النواب والطائفة السنية تعين رئيس الحكومة (إن اختيار الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة في كانون الثاني 2011 سبب مقاطعة سنية قوية للحكومة وإخلالاً بالأمن في أنحاء لبنان كافة وخاصة في طرابلس).

أما من ناحية انتخاب رئيس للجمهورية، فصحيح أن غياب الأحادية عند الطوائف المسيحية تمنع فرض مرشح معيّن للرئاسة أسوة باختيار رئيسي المجلس والحكومة، لكن الانقسام المسيحي ديموقراطي بامتياز حتى لو كان متجذراً في المجتمع المسيحي.

لذلك فإن اللبنانيين، كل اللبنانيين، سيحرمون من اختيار رؤسائهم لغاية إقرار قانون عصري وعادل ومحق للانتخابات النيابية، يؤدي إلى تجاوز أحادية التمثيل في كل الطوائف. إن نظام الطائف لن يستمر في حال بقيت قوانين الانتخابات التي اعتمدت بعد اتفاق الطائف. إن قوانين كهذه لم تصلح قبل الطائف وقد سبّبت الشعور بالغبن والحرمان والحرب عند الطوائف الإسلامية، وتسبّب بعد اتفاق الطائف (1989) الغبن والحرمان لكل المكوّنات اللبنانية، إذ تمنعهم من انتخاب الرؤساء الثلاثة ومن أن ينعموا بالاستقرار والطمأنينة في بلدهم.