IMLebanon

«المستقبل»: لا أحد جاهز للانتخابات النيابية

يصوّب قياديّو «تيار المستقبل» أنظارهم الى حركة السفارة الاميركية في عوكر بعد مغادرة جون كيري الأراضي اللبنانية من دون أن يشفي غليل أحد بمعلومة «رئاسية» واحدة، باستثناء الرغبة الاميركية المؤكّدة بالحفاظ على الاستقرار. ارتبك اللبنانيون بزيارة غير متوقعة، الى الحدّ الذي ضاعوا بالترجمة أيضا!.

باعتقاد «المستقبل» أن حركة السفير ديفيد هيل ستشكّل بوصلة لما بعد زيارة وزير الخارجية الاميركي، الى جانب زياراته التوضيحية التي قام بها لبعض الشخصيات السياسية فور مغادرة كيري الى باريس.

إذا كان المطلوب في واشنطن متابعة ما جاء كيري من أجله، سيغزل الديبلوماسي المنفتح، كاسر الحواجر مع معظم القوى اللبنانية في النسخة المضادة لجيفري فيلتمان، بين مقارّ الزعماء «ناصحاً وطالباً».

وإذا كان الأمر مجرّد زيارة إلقاء تحية، في وقت كان يلعلع فيه الرصاص بين بيروت ودمشق احتفالا بفوز بشار الأسد «الكاسح»، فالأرجح ان هيل سيكون في إجازة ديبلوماسية من «مهمّة سرية» لم توكل اليه بعد مغادرة كيري.

المهم، ان ثمة تلاقياً بين الجميع على أن زيارة جون كيري لم تشكّل محطة فاصلة بين مرحلتين. سريعاً عاد اللبنانيون الى جدول خلافاتهم وأزماتهم الفضفاض. رئاسة أو لا رئاسة؟ تشريع أو لا تشريع؟ حكومة أو لا حكومة؟ انتخابات نيابية أو لا انتخابات نيابية؟…

سيكون من المنصف القول إن «تيار المستقبل» يعيش، ومنذ ولادة حكومة الأضداد وانطلاق الحوار بين ميشال عون و«تيار المستقبل»، نوعا من انفصام الشخصية. يزيد الوضع تعقيدا عدم مبادرة الرئيس سعد الحريري الى توضيح الالتباسات لطاقم فريقه.

في اليوم الواحد قد تسمع مسؤولا في «المستقبل» يتغزّل بـ«الجنرال» لناحية قدرته على التملّص تدريجا من «سطوة» تحالفه مع «حزب الله» وعندها «الرئاسة تكون بانتظاره»، وآخر يقول بأن «الشيخ سعد» يقبل بأميل لحود ولا يقبل بعون.

واحد يرى الانتخابات النيابية مرآة للحكومة ولحوار عون – الحريري، وآخر يستصعب فكرة «تمرير» حتى مقعد واحد للعونيين في بيروت. واحد يشتم التنسيق الامني «المشين» بين «حزب الله» و«المستقبل» من باب شراكة الضاحية «الرسمية» في القرار الامني، وآخر لا يرى فيه سوى خشبة الخلاص لواقع الفرز القائم.

مسؤول يروّج لفتوى تُشرعن تحييد سلاح «حزب الله» في «هذه المرحلة الدقيقة والحساسة والمصيرية»، وآخر يرى أن «حزب الله» يأكل أخضر ويابس التفاهمات.

لكن هذا لا يمنع وضوح الصورة لدى مقرّبين من سعد الحريري بالتوازي مع غموضها إقليميا وداخليا. أول العناوين المثيرة للتساؤلات، احتمال إجراء الانتخابات النيابية قبل تشرين الثاني المقبل موعد نهاية ولاية مجلس النواب الممدّد له.

الأكيد أن حماسة عون لهذا الأمر تصطدم بواقعية «المستقبل»:

ـ لا انتخابات ولا إمكانية للتحضير للانتخابات وزعيم «التيار الأزرق» في المنفى.

ـ «حزب الله» لا يزال منهمكا في سوريا. الرئيس نبيه بري يتبنّى التريّث نفسه.

ـ لا مشكلة لدى النائب وليد جنبلاط بالانتخابات، وهو فعلا غير خائف على حصته، ولكن من أين المال؟ السعودية قطعت عنه «الحنفية» منذ فترة طويلة. القدرات المالية الشخصية لدى «البيك» مثيرة للاهتمام، ولكن ليس الى حدّ صرف ما في الجيب. عمليا، المختارة غير مستعدة لا ماليا، ولا لوجستيا للمعركة.

ـ عون متحمّس لكن «روما من فوق غير روما من تحت». «المستقبل»، بشكل عام، لا يشاطر الرابية أحلامها الوردية. صحيح، هناك حديث عن تقارب وحوار وكسر للمسافات. لكن، حتى التسويات الاقليمية لن تأتي بعون رئيسا، ولن تقلب التحالفات الانتخابية رأسا على عقب، لنرى «الجنرال» على لائحة واحدة مع الحريري مدعومة من «حزب الله»، في مواجهة لائحة سمير جعجع و«14 آذار»!

ـ «القوات اللبنانية» دائمة الجهوزية. ماكينة هائلة قادرة على الاستنفار في غضون أيام. وقائدها لا يبدو مأخوذا بأفلام الرعب التي تصوّره كأنه قد أصبح خارج اللعبة بمجرّد جلوس عون والحريري وجها لوجه.

ـ حزب «الكتائب» براغماتي وجاهز لأي تغييرات، لكن أزمة التمويل تلاحقه أيضا.

ـ رؤية «فرع المعلومات» يلقي القبض على عمر بكري فستق، والاعلان عن توقيفات في الضاحية، وكَيل العونيين المديح لوطنية «الشيخ سعد»، والصداقة المستجدّة بين جبران باسيل ونادر الحريري، والمهادنة غير المسبوقة بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»… كل ذلك، لا يعني إطلاقا تخلّي زعيم «المستقبل» عن حلفائه، لا في الرئاسة، ولا في النيابة. كل ما يحصل، استنادا الى بعض التغييرات الاقليمية، مفيد في تخفيف جوّ الاحتقان المذهبي، وهي رغبة مشتركة من جانب أطراف الصراع. كلّما تعزّز هذا التقارب، كلما ارتاح الداخل. التسوية الخارجية، يؤكّد أحد صقور «تيار المستقبل»، لن تغيّر تحالفاتنا الداخلية.

ـ اليوم انتقلت المواجهة بين «حزب الله» و«المستقبل» من الشارع الى السياسة. هذه احدى وجهات النظر التي يعكسها بشكل أساسي في الحكومة اليوم وزير العدل أشرف ريفي، فيما يتعاطى وزير الداخلية نهاد المشنوق ببراغماتية أكبر. الأول يذكّر كل من يلتقيه بالتحفّظ الثلاثي الذي أبداه أبان إعداد البيان الوزاري وبقدسية المحكمة، وبضرورة المساهمة في تخفيف الاحتقان من دون التنازل عن المسلّمات، وباعتبار السلاح الاستراتيجي هو نفسه الذي استخدم في 7 أيار. الثاني يجتهد في مجال السلاح والكثير من المسائل، تاركا لسلّة الضرورات التربّع على عرش الأولويات، من دون إقحام الملفات الاستراتيجية في اليوميات. أما المحكمة فغائبة عن خطابه.

ـ يحاول ميشال عون تطبيق المعادلة الثلاثية التي تحدّث عنها في الحكومة. لكن هذا شيء، وتطبيق هذه المعادلة على تحالفات الانتخابات النيابية شيء آخر. هذا أمر غير وارد.

ـ لا قدرة ولا إمكانية اصلا لإقرار قانون انتخابي جديد في الأشهر المقبلة، أما الإتكاء على «الستين» الموجود فلا يسهّل إجراء انتخابات، لأن لا قرار سياسيا بإجرائها.

في الخلاصة، ثمّة في «تيار المستقبل» من بات متأكّدا «بأن الحوار بين ميشال عون والمستقبل مفيد، ورأينا ثماره، لكن عند اصطدام عون بحاجز عدم توفير هذا الحوار لمتطلّباته، فمن المؤكد أن ليس الحريري من سيعلن الطلاق.. بل الجنرال!».