شكلت العلاقة التي ما تزال قائمة بين «تيار المستقبل» والجماعة الاسلامية، استثناء غير قابل للحياة، وحالة غريبة في لوحة التحالفات القائمة بين القوى السياسية اللبنانية المتعددة الولاءات للخارج، فهذه العلاقة، وفق ما ترى اوساط مطلعة على واقع التحالف بين الطرفين، ان هذه العلاقة بقيت مدار تجاذب حاد جعلتها غير مستقرة، خاصة وان الحاضن والراعي السعودي لـ «تيار المستقبل» بات متحسسا هذه الايام، من تنظيم الاخوان المسلمين وفروعه الممتدة في ساحات عربية عدة، حيث تشكل الجماعة الاسلامية فرعه اللبناني.
وترى اوساط مطلعة ان الجماعة الاسلامية، ومنذ نظمت المسيرات السيارة في معظم المناطق اللبنانية احتفاء بحكم اردوغان في تركيا، ومرسي في مصر، رسمت لنفسها خارطة امتداداتها في الساحة الاقليمية، وهي ساحة غير مرغوب بها سعوديا، وهو الواقع نفسه الذي تعيشه حركة «حماس» الملاحقة سعوديا ومصريا.
وتقول الاوساط، ان علاقة «الجماعة» و«المستقبل»، تبدو استثناء بحفاظهما على «شعرة معاوية» في علاقتهما على الرغم من توزع الطرفين على معسكرين اقليميين متصارعين هما تركيا وقطر مقابل السعودية، فالطرفان يسعيان للابتعاد عن الملفات الخلافية، وهي كثيرة، للحفاظ على الحد الادنى لـ«التوافق» الظاهري الذي يتمثل بـلقاء دوري بين الطرفين يُعقد وفق الحاجة السياسية للطرفين، وتوقف انعقاد مع اشتداد الازمة السياسية في مصر وارتفاع منسوب الدعم السعودي للسيسي واعلان الحرب على الاخوان المسلمين، والتي انتهت بالاطاحة بحكم الاخوان، الامر الذي انعكس احباطا في جسم الجماعة، ويبرز ايضا حرص الجماعة على المشاركة في اللقاء التشاوري المنعقد دوما في دارة آل الحريري في مجدليون، وبرئاسة النائب بهية الحريري، واللقاءات الدورية التي ما تزال تعقد بين «تيار المستقبل» والجماعة الاسلامية، على الرغم من الاختلافات الجوهرية بين الطرفين .
ولفتت الى ان «تيار المستقبل» كان استكشف الموقف السعودي الرسمي من العلاقة المحلية مع الجماعة الاسلامية في لبنان، ومدى تقبل السفارة السعودية في لبنان الابقاء على العلاقات السياسية القائمة بين الطرفين، سيما وان العلاقة بين السفارة والجماعة الاسلامية مقطوعة تماما، جراء موقف الجماعة من الدور السعودي في الاطاحة بمرسي في مصر، وادراج المملكة لتنظيم الاخوان المسلمين ضمن لائحة المنظمات الارهابية، وهو قرار اصاب الجماعة في الصميم.
الصفحة الجديدة التي فُتحت بين الطرفين بعد التطورات في مصر، تقول الاوساط، كان بمسعى قام به رئيس تكتل «المستقبل» فؤاد السنيورة الذي رأى انه ما زال الامكان الاستفادة سياسيا من العلاقة مع الجماعة الاسلامية، على الاقل في المناطق ذات الاغلبية السنية، سواء في بيروت او طرابلس او صيدا، ويمكن للجماعة ان تكون رافعة للتيار، في الاستحقاقات الانتخابية، البلدية والنيابية، وبخاصة في طرابلس وصيدا، حيث يواجه التيار قوى واطراف سياسية وازنة، ففي طرابلس هناك جبهة عريضة في الساحة السنية خارج اطار «المستقبل» من الرئيسين عمر كرامي ونجيب ميقاتي الى احمد كرامي ومحمد الصفدي، اضافة الى تنظيمات اسلامية منافسة للجماعة الاسلامية كحركة التوحيد الاسلامي التي تقيم علاقات طيبة مع «حزب الله»، اما في صيدا .. البوابة الى الجنوب، فالوضع معقد اكثر، حيث هناك جبهة سياسية عريضة، تضم التنظيم الشعبي الناصري الذي يحمل ارث الشهيد معروف سعد، ولائحة طويلة من رجال دين بارزين في الطائفة السنية ومنهم الشيخ ماهر حمود والشيخ احمد الزين، و«تيار الفجر» الخارج من الجسم التنظيمي والعسكري للجماعة الاسلامية بعد مرحلة الاحتلال الاسرائيلي لمدينة صيدا، اضافة الى احزاب وتنظيمات يسارية واسلامية تقيم علاقات متينة مع «حزب الله»، وهم على خصومة شديدة مع «تيار المستقبل»، فالجماعة الاسلامية مستفيدة من العلاقة مع «المستقبل»، لكونها على خصومة تصل الى القطيعة، مع بعض رجال الدين والتنظيمات الاسلامية الاخرى، في طرابلس وفي صيدا على السواء. علما ان لا قطيعة بين الجماعة الاسلامية و«حزب الله»، وسط اصرار من الطرفين على الابقاء على التواصل، فيما الجماعة حافظت على بعض تكتيكاتها التي تُزعج «المستقبل»، وهي ابدت مرونة واضحة في العلاقة مع امين عام التنظيم الشعبي الناصري اسامة سعد، من دون ان تصل هذه العلاقة الى صياغة تحالف، وهو امر لم يسع اليه الطرفان، بسبب اتساع الهوة السياسية بين الطرفين حول الكثير من القضايا الجوهرية التي لا تحتمل تكتيكات سياسية صغيرة وغير منتجة.
وتلفت الاوساط الى ان تجربة «المستقبل ـ الجماعة» في التحالف خلال العقد الماضي، اثمرت «انجازات» سياسية على مستوى مدينة صيدا من خلال حصة للجماعة في المجلس البلدي، فيما حصتها في بيروت من التحالف مع «ألمستقبل» مقعدا نيابيا يشغله عماد الحوت، وكان من الطبيعي ان تستجيب الجماعة الاسلامية الى حالة الغضب من الموقف السعودي تجاه «ثورة» الاخوان المسلمين في مصر، فقامت بـ «فرملة» علاقاتها، وتوقف «تيار المستقبل» مليا عند المقاطعة القيادية للجماعة تجاه «المستقبل»، وعدم قيامها باي مبادرة خلال «الزيارة ـ العودة» التي قام بها الرئيس سعد الحريري من السعودية الى لبنان قبل اسبوعين، وقبلها مقاطعة الجماعة للافطارات الرمضانية في «بيت الوسط» برعاية متلفزة من الرئيس سعد الحريري، وتعتبر ان الجماعة الاسلامية قدمت لـ «تيار المستقبل»، ما لم يقدمه هو لنفسه، حين ذهبت الجماعة الى الاخير في معركة دار الافتاء، وصوبت سهاما على المفتي محمد رشيد قباني الذي شكل على مدى سنوات، رافعة دينية للجماعة، وقد شكلت هذه المعركة في عنوانها الرئيس انها معركة الحريري ضد قباني، وحين جيّرت اصوات مناصريها في صيدا وطرابلس في صناديق الانتخابات النيابية الاخيرة لمصلحة مرشحي «المستقبل».
وتخلص الاوساط الى القول، ان العلاقة التحالفية بين الطرفين، فرضتها سطوة «المستقبل» واستئثاره بالساحة السنية، والتوافق على العداء للنظام في سوريا والالتحاق بالحلف الاقليمي الداعم للمعارضة السورية والممثل بتركيا وقطر والسعودية (قبل التأزم السعودي ـ القطري)، والخصومة العنيفة لدور «حزب الله» في المقاومة ضد الاحتلال واستهداف صواريخه سياسيا، في وقت تسابق الطرفان قبل ايام، على التضامن مع غزة وصواريخها في مواجهة العدوان، وتسأل.. هل يكون مصير العلاقة بين الطرفين مرتبطا بـ «الاسباب التخفيفية» التي قد تعطيها السعودية لحكمها على «الفرع اللبناني» لتنظيم الاخوان المسلمين الذي تمثله الجماعة الاسلامية؟.