احتلال عرسال يفضح «سلطة النعامة»
«المستقبل» يعزز اعتداله.. فمن يلاقيه؟
ليس تيار «المستقبل» مسؤولاً عن لجم الأوضاع المستجدة في عرسال ولا يدعي أنه قادر على ذلك. سلّم أمره لله وللجيش اللبناني، معلناً بوضوح وقوفه في وجه «الإرهابيين».
أنهى الرئيس سعد الحريري ارتباك تياره في التعامل مع الانفجار العرسالي. وضع النقاط على الحروف: ما يجري ليس اشتباكاً سنياً شيعياً، وإن ربط في معرض الرد على أسئلة الصحافيين وليس في بيانه المكتوب بين مشاركة «حزب الله» في الحرب السورية واحتلال عرسال.
ما حصل «يشكل ضربة كبيرة لتيار «المستقبل» في بيئته، لكن الضربة ليست له وحده. هي لكل الأطراف ولكل من يدعي الحرص على الدولة»، يقول متابع دقيق لأحداث عرسال، «فقد شكلت ولادة دولة «داعش» في بعض العراق وسوريا واقعاً جديداً يتمثل بوجود دولة نفطية غنية تسعى لتوسيع رقعة نفوذها مستغلة المال استغلالا رئيسيا».
المشروع «الداعشي» الاقليمي الكبير والذي يتضمن إزالة حدود واقتطاع مناطق، لا يحجب أبعاداً محلية ، حيث شكّل التعامل الرسمي مع قضية النازحين مثالاً على خفة الدولة في مقاربة قضايا مصيرية، من دون تجاوز قضايا أخرى من طرابلس الى صيدا.
من يحمّل المسؤولية لـ«المستقبل»، يحمّله إياها انطلاقاً من الخطوط الحمراء التي فرضها حول عرسال. ربما أخطأ التيار في عدم التمييز بين البلدة البقاعية والمسلحين، كما لم يميز بين دعم المعارضة السورية في سوريا ودعمها في لبنان. رفع الصوت عالياً في وجه تدخل «حزب الله» في الحرب السورية، ولم يتوقف عن تأمين الملاذ الآمن للمعارضة في لبنان.
بغض النظر عن الأسباب، إلا أن وصول أعداد النازحين إلى منطقة عرسال إلى نحو 120 ألفاً يعني ببساطة وجود قنبلة موقوتة، خصوصا أنهم حلوا ضيوفا على منطقة أدمنت الحرمان.
ليست عرسال هي المشكلة بل السلطة التي لا تتوقع أن يؤدي وجود نحو مليون ونصف مليون نازح على أراضيها إلى أزمات لا تحمد عقباها. دخلت السياسة على خط الملف فضاع في زواريب الداخل. فات القيمين على الملف أن الحرب اللبنانية التي امتدت 15 عاماً هي، في أحد أوجهها، ناتجة من اللجوء الفلسطيني وعدم القدرة على التعامل معه، برغم أن أعداد اللاجئين الفلسطينيين كان، ولا يزال، أقل بكثير من أعداد النازحين السوريين.
في المقابل، هل تشكل «غزوة عرسال» جرس إنذار يعيد لمّ الشمل السياسي، على حساب المصالح الضيقة لكل فريق؟
الكل يعرف أن عنوان أي مصالحة هو التقارب بين «المستقبل» و«حزب الله»، لكن الطرفين ليسا جاهزين لخطوة كهذه. بالنسبة لـ«المستقبل» ليست أولوية. مهمته الأساسية تمييز اعتداله بمواجهة المتطرف. وعليه، فإن أي تقارب مع الحزب الذي يحمّله مسؤولية ما يجري في عرسال قد يضره أكثر مما يفيده. ثمة من يعتبر أن على «المستقبل» ألا يكرر خطأ عرسال، وأن يعيد ترتيب أوراقه في الشمال والبقاعين الأوسط والغربي.
لا استعداد حاليا عند جمهور «المستقبل» لتقبل أي علاقة مستجدة مع «حزب الله»، ومع ذلك، فإن من يتابع مبادرات الحريري الجريئة سابقا، يدرك أنه بمقدوره متى يقرر أن يسوق أية خطوة انفتاحية. لم يفعل الحريري ذلك بعد، لكن في المقابل، «ماذا سيقدم له الآخرون وكيف سيلاقونه في منتصف الطريق»؟.
«حزب الله» صار أكثر ارتياحاً إلى توسع شريحة المقتنعين بأنه لولا تدخله في سوريا لكانت «داعش» موجودة في كل لبنان وليس في عرسال فقط. ثمة من يردد أن عددا من «المستقبليين» انضموا إلى هذه الشريحة أيضاً.