اذا كان منصب رئاسة الجمهورية، المتفق بين اللبنانيين، على ايلائه الى الطائفة المارونية، يعني جميع اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، مثلما يعني المسيحيين والموارنة، فهذ الأمر يفرض على غير المسيحيين، ان يهتمّوا بانجاز هذا الاستحقاق الوطني، وعدم رميه في ملعب المسيحيين، كما يفعلون اليوم، خصوصاً انهم قادرون على لعب الدور المنقذ هذا، بدلاً من الاختباء وراء عدم التوافق بين القيادات المسيحية على مرشح محدّد، خصوصاً ان جميع القيادات الاسلامية تعرف تماماً استحالة التوافق السياسي بين المسيحيين، وهذا واقع لم يكن يوماً طارئاً على الحياة السياسية في لبنان، منذ ما قبل الاستقلال حتى يومنا هذا، واذا كان المسلمون على اختلاف مذاهبهم حريصين حقاً على الدستور والقانون والمصلحة الوطنية والعيش المشترك، فليس امامهم سوى ان يتوافقوا هم على ضرورة انتخاب رئيس باسرع ما يمكن، ليعيدوا الى الدولة رأسها، والى المؤسستين الاخريين رئاسة الحكومة، ورئاسة المجلس النيابي، دورهما الفاعل في خدمة الوطن والشعب، بدلاً من عمليات الترقيع التي تشوّه الحياة السياسية، كمثل ما يحصل في هذه الايام، والتنصّل من اي مسؤولية وطنية. كما ان هناك حلاً آخر متوفراً، وهو انتخاب مرشح من الاربعة الكبار الذين اختارتهم بكركي ودعمت وصول أيّ منهم الى منصب الرئاسة، او اختيار مرشح من خارج هؤلاء ترضى عنه بكركي بالدرجة الاولى، وباقي المذاهب المسيحية بالدرجة الثانية، ولكن ان يعمد الرئيس نبيه بري الى تحديد مواعيد متباعدة لانتخاب رئىس على قاعدة «اللهم اشهد اني حددت» فهذا هروب من المسؤولية، مثله مثل دعوة السيد حسن نصرالله الى الحوار والتفاهم مع العماد ميشال عون، وهو يعرف تماماً استحالة الوصول الى حلّ مقبول معه، كما ان ترشيح النائب هنري حلو، الذي أكنّ له كل احترام ومحبة، من قبل رئيس كتلة النضال الوطني وليد جنبلاط، يعرقل ولا يسهّل، ويتخذه البعض حجّة «لتخويف» المسيحيين من مفاجأة ما، اذا نزل المقاطعون الى مجلس النواب وامّنوا نصاب الثلثين، الذي يتمسك به بري وقوى 8 آذار، ليبقى الانتخاب مستحيلاً، مع ان البطريرك بشارة الراعي، المعني الروحي الاول بهذا الاستحقاق، طالب بعدم التمسك بنصاب الثلثين بعد تعطيل مستمر تجاوزت مدته الثلاثة أشهر.
****
ان اقسى انتقاد للتعطيل المتعمّد لانتخاب رئيس، ورد امس في عظة البطريرك الراعي في الديمان، عندما اتهم المعطّلين بانهم يطعنون لبنان طعنة قاتلة بحرمانه من انتخاب رئيس للجمهورية، ونبّه مرة جديدة رئيس مجلس النواب الى ان عدم انعقاد المجلس النيابي في حالة دائمة، هو مخالفة صريحة للدستور، معتبراً ان الاصرار على تعطيل الانتخاب، انما هو مخاطرة في مصير لبنان، وتقطيع اوصاله، وهذا الكلام التصعيدي من سيد بكركي، هو ردّ مباشر على جماعة التعطيل الذين اعلنوا في اكثر من مناسبة، ان لا فراغ في رئاسة الجمهورية، طالما ان هناك حكومة «قادرة» على تسيير الاعمال نيابة عن الرئيس، وان الفراغ افضل من وصول من لا يجب وصوله الى رئاسة الجمهورية.
طبعاً هناك مسؤولية ادبية وسياسية واخلاقية ووطنية امام النواب المسيحيين في هذا الاستحقاق الهامّ، ولكن النواب المسلمين يتشاركون معهم في هذه المسؤولية، وعليهم ان يساعدوا باتخاذ مواقف واضحة وصريحة، وليس بمثل المواقف الرمادية الضبابية التي تؤخّر ولا تقدّم وفي العمق تزيد الامور تعقيداً، سيدنا الراعي، آن اوان اعلاء صوت الغضب.